قال أبو عُمر: وبه قال مالكٌ، وهو القياسُ والنظرُ؛ لأنها ليست زوجة.
وقال إسماعيلُ القاضي: اختلَف الناسُ فيما يأخُذُ منها على الخُلْع، فاحتجَّ الذين قالوا: يأخُذُ منها أكثرَ ممّا أعطاها بقولِ اللّه عزَّ وجلَّ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. قال إسماعيلُ: فإن قال قائلٌ: إنما هو معطوفٌ على ما أعطاها من صَداقٍ أو بعضِه. قيل له: لو كان كذلك لكان: فلا جُناحَ عليهما فيما افتدَت به منه، أو: من ذلك.
قال: وهو بمنزلةِ مَن قال: لا تضرِبنَّ فلانًا إلا أن تخافَ منه، فإن خِفتَه فلا جناحَ عليك فيما صنَعتَ به. فهذا إن خافَهُ كان الأمرُ إليه فيما يفعلُ به؛ لأنه لو أرادَ الضربَ خاصّةً لقال: من الضرب. أو: فيما صنَعت منه. واحتجَّ الذين قالوا: لا يحِلُّ له من ذلك شيءٌ حتى يراها على فاحشة. بقوله عزَّ وجلَّ:{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}[النساء: ١٩]. واحتجَّ الذين قالوا: إنه لا يجوزُ له الأخذُ إذا كانت الإساءةُ من قِبَلِه. بقوله:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}[النساء: ٢٠]. هكذا قال إسماعيل.
قال: ومن قال بأن قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. منسوخٌ بالآيتَين، فإن قولَه مدفوعٌ بأنه إنما يكون النسخُ بالخلاف، ولا خلافَ في الآيتين للآيةِ الأخرى؛ لأنهما إذا خافا ألّا يُقيما حدودَ اللّه فقد صار الأمرُ منهما جميعًا، والعملُ في الآيةِ الأخرى منسوبٌ إلى الزوج خاصّةً، وذلك إرادتُه لاستبدالِ زَوْج مكانَ زَوْج، ولأن الزوجةَ إذا خافت ألّا تُقيمَ حدودَ اللّه فاختلَعت منه، فقد طابت نفسُها بما أعطَتْ، وهو قولُ عامّةِ أهلِ العلم. وذكَر حديثَ حبيبةَ بنتِ سَهْل، عن أبي مُصعب، عن مالك، ثم قال: حدَّثنا سُليمانُ بنُ حَرْب، قال: حدَّثنا حَمّادُ بنُ سَلَمة، عن حُميد،
= وينظر: أثر ابن عباس وعبد اللّه بن الزُّبير: الأمّ ٥/ ١٢٣ - ١٢٤، والمصنَّف لعبد الرزاق ٦/ ٤٨٧ (١١٧٧٢)، ولابن أبي شيبة (١٨٨٠٥)، وفيه أنهما اتَّفقا على أنه ما طلق بعد الخُلْع فلا يُحسَبُ شيئًا، قالا: "ما طلّق امرأتَه، إنما طلَّق ما لا يَمْلِكُ".