للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: على هذا التأويل يَنتفي التعارضُ والتدافعُ في الأحاديثِ في هذا الباب، وهو أولى ما حُمِلتْ عليه، والأحاديثُ في التغليسِ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابِه أثبتُ من جهةِ النقل، وعليها فقهاءُ الحجازِ في صلاةِ الصُّبح عند أولِ الفَجْرِ الآخر.

ذكَر عبدُ الرزاق (١)، عن ابنِ جُريج، قال: قلتُ لعطاء: أيُّ حينٍ أحبُّ إليكَ أن أُصلِّي الصُّبحَ إمامًا وخِلْوًا (٢)؟ قال: حين يَنفجرُ الفَجْرُ الآخرُ، ثم تُطوِّلُ في القراءةِ والركوع والسجودِ حتى تنصرفَ منها وقد تبلَّجَ النهارُ (٣) وتتامَّ الناسُ (٤). قال: ولقد بَلَغني عن عُمرَ بنِ الخطاب أنه كان يُصلِّيها حينَ ينفجرُ الفَجْرُ الآخر، وكان يقرأُ في إحدى الرَّكْعتينِ بسورة "يوسف".

قال أبو عُمر: إنما ذكَرْنا هاهنا مذاهبَ العلماءِ في الأفضلِ من التغليسِ بالصُّبح والإسفار بها، وقد ذكَرْنا أوقاتَ الصلواتِ مجملةً ومفسرةً في باب ابنِ شهاب، عن عُروة، وجرَى ذكرُ وقتِ صلاةِ الصُّبح في مواضعَ أيضًا من هذا الكتاب (٥)، والحمدُ للّه.

وفي هذا الحديث: شهودُ النساءِ في الصَّلواتِ للجماعة، ويؤكِّدُ ذلك قوله: "لا تمنعوا إماءَ اللّه مساجدَ اللّه" (٦). وسيأتي هذا المعنى مبسوطًا ممهَّدًا في بابِ يحيى،


(١) في المصنَّف ١/ ٥٧٠ (٢١٦٩). ابن جُريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز، وعطاء: هو ابن أبي رباح.
(٢) أي: منفردًا، في اللسان مادة (خلو). الخِلْوُ: المنفرد.
(٣) أي: أضاء وأشرق. ينظر: الصحاح (بلج).
(٤) أي: جاؤوا كلُّهم وتمُّوا. ينظر: الصحاح (تمم).
(٥) في أثناء شرح الحديث الأول لمحمد بن شهاب الزُّهري عن عروة بن الزبير، وقد سلف في موضعه.
(٦) أخرجه أحمد في المسند ٨/ ٢٨١ (٤٦٥٥)، والبخاري (١٥٧٤)، ومسلم (١٢٥٩) من حديث نافع مولى عبد اللّه بن عمر، عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما، وهو في الموطأ ١/ ٢٧٣ (٥٣٠) بلاغًا عن عبد اللّه بن عمر، وهو الحديث الرابع والعشرين من البلاغات، وسيأتي مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه إن شاء اللّه تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>