للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: على مذهبِ عليٍّ وعبدِ اللّه في هذا الباب جماعةُ أصحاب ابنِ مسعود، وهو قولُ إبراهيمَ النَّخعيِّ، وطاووس، وسعيدِ بنِ جبير. وإلى ذلك ذهَب فقهاءُ الكوفيين (١). وقد يَحتمِلُ أن يكونَ الإسفارُ المذكورُ في حديثِ رافع بنِ خَديج، وفي هذا الحديثِ عن عليٍّ وعبدِ اللّه، يُرادُ به وضوحُ الفَجْرِ وبيانُه، فإذا انكشفَ الفَجْرُ، فذلك الإسفارُ المرادُ، واللّهُ أعلم، من ذلك قولُ العرب: أسفرتِ المرأةُ عن وجهِها: إذا كشَفتْه؛ وذلك أنَّ مَن كان شأنه التغليسَ جدًّا لم يُؤمَنْ عليه الصلاةُ قبلَ الوقت، فلهذا قيل لهم: أسفِرُوا؛ أي: تبيَّنوا، وإلى هذا التأويل في الإسفارِ ذهَب جماعة من أهلِ العلم؟ منهم أحمدُ، وإسحاق، وداود.

حدَّثنا عُبيدُ بنُ محمدٍ (٢) وأحمدُ بنُ محمد، قالا: حدَّثنا الحسنُ بنُ سَلَمة، قال: حدَّثنا عبدُ اللّه بنُ الجارود، قال: حدَّثنا إسحاقُ بنُ منصور، قال (٣): قلت لأحمدَ بنِ حنبل: ما الإسفارُ؟ فقال: الإسفارُ أن يتَّضِحَ الفجرُ فلا تشُكّ فيه أنه قد طلَعَ الفَجْرُ. قال إسحاقُ كما قال.

وقال أبو بكرٍ الأثرم: قلتُ لأبي عبد اللّه -يعني أحمدَ بنَ حنبل-: كان أبو نعيم (٤) يقولُ في حديثِ رافع بنِ خَديج: "أسفِروا بالفَجْر، وكلَّما أسفرتُم بها فهو أعظمُ للأجر". فقال: نعم، كلُّه سواءٌ، إنما هو إذا تبيَّن الفَجْرُ، فقد أسفرَ.


(١) سلف تخريج أقوالهم في أثناء شرح الحديث السادس والعشرين من مرسل زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار.
(٢) هو عبيد بن محمد بن أحمد القيسيّ، يُعرف بابن حُميد، وأحمد بن محمد المقرون معه: هو ابن أحمد، أبو عمر، المعروف بابن الخراز، وشيخهما الحسن بن سلمة: هو ابن المعلّى.
(٣) هو ابن بهرام، أبو يعقوب المروزي: المعروف بالكوسج، في مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية له ٢/ ٤٣٤ (١٢٥).
(٤) هو الفضل بن دُكين، ومن طريقه أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار ١/ ١٧٨ (١٥٦٦)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة ٢/ ١٠٤٦ (٢٦٥٣) كلاهما عن سفيان، عن محمد بن عجلان، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج رضي الله عنه. وقد سلف هذا الخبر في أثناء شرح الحديث السادس والعشرين من مرسل زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار.

<<  <  ج: ص:  >  >>