للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديثِ مالكٍ من الفقه: طَرحُ العالم على المتعلِّم المسائلَ، وفيه أن شرْبَ الخَمْرِ والسرقةَ والزنى فواحشُ، واللهُ عزَّ وجلَّ قد حرَّم الفواحشَ ما ظهَر منها وما بطَن، ومعلومٌ أنه لم يُرِدْ شربَ الماء، وإنما أراد شُرْبَ ما حرَّمه اللهُ من الأشربة.

وفيه دليلٌ على أن الشاربَ يُعاقَبُ، وعقوبتُه كانت مردودةً إلى الاجتهاد؛ فلذلك جمَع عُمرُ الصحابةَ فشاوَرَهم في حدِّ الخَمْر، فاتفَقوا على ثمانين، فصارت سُنّةً، وبها العملُ عندَ جماعةِ فقهاءِ المدينةِ ومكةَ والكوفةِ والبصرةِ والشام والمغرب، وجمهورِ أهلِ الحديث، وما خالَفَهم شذوذٌ (١)، وبالله التوفيق.

وأما السرقةُ والزنى فقد أحكَم اللهُ حدودَهما في كتابه وعلى لسانِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم- بما لا مدخَلَ للرأي فيه، وأظنُّ قولَه -صلى الله عليه وسلم- هذا كان عندَ نزولِ قولِ الله عزَّ وجلَّ في فاحشةِ الزنى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: ١٦]. وبعدَ قولِه: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: ١٥]. ثم نُسِخَ ذلك كلُّه بالجلدِ والحدِّ.

وفيه دليلٌ على أنَّ تركَ الصلاة، أو تركَ إقامتِها على حدودِها من أكبرِ الذُّنوب؛ ألا تَرى أنه ضرَب المثلَ لذلك بالزاني والسارق، ومعلومٌ أنَّ السرقةَ والزنى من الكبائر، ثم قال: "وشرُّ السرقة -أو أسوأُ السرقة- الذي يسرِقُ صلاتَه". كأنه قال: وشرُّ ذلك سرقةً مَن يسرِقُ صلاتَه فلا يُتمُّ ركوعَها ولا سُجودَها. وقد مضَى القولُ في تاركِ الصلاةِ ممن يُؤمِنُ بفرضِها في بابِ زيدِ بنِ أسلمَ من هذا الكتاب (٢).

حدَّثني قاسمُ بنُ محمد (٣)، قال: حدَّثني خالدُ بنُ سَعْد، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ


(١) ينظر: الإقناع لابن المنذر ١/ ٣٤٧، ومراتب الإجماع لابن حزم ١/ ١٣٣.
(٢) في أثناء شرح الحديث التاسع عشر لزيد بن أسلم، عن رجل من بني الدِّيل يقال له بُسر بن مِحْجَن، عن أبيه، وقد سلف في موضعه.
(٣) هو أبو محمد، المعروف بابن عسلون، وشيخه خالد بن سعد: هو أبو القاسم الأندلسي القرطبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>