للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: وإنما حمَل الكوفيِّينَ على ذلك أصلُهم في أخبارِ الآحاد؛ لأنهم لا يَقبَلُون منها ما عارَضَه شيءٌ من معاني السُّنن المجتمَع عليها، وقالوا: من السُّنّةِ المتَّفقِ عليها فيمن بتَل عِتْقَ عبيدِه في مرضِه، وله مالٌ يَحمِلُهم ثلثُه، أنهم يَعتِقون كلُّهم، والقياسُ على هذا إذا لم يكنْ له مالٌ غيرُهم أن يَعتِقَ من كلِّ واحدٍ ثلثٌ، فليس منهم أحدٌ أوْلى من صاحبِه.

قال أبو عُمر: ردَّ الكوفيُّون هذه السُّنة ولم يقولوا بها، ورأوا القُرعَةَ في ذلك من القِمارِ والخطَرِ، حتى لقد حَكَى مُؤَمَّلُ بنُ إسماعيل، عن حَمّادِ بنِ زيد، عن محمدِ بنِ ذكْوان، أنه سَمِع حَمّادَ بنَ أبي سُليمانَ وذُكِرَ له الحديثُ الذي جاء في القُرْعَةِ بينَ الأعبُد، فقال: هذا قولُ الشيخ، يعني إبليس، فقال له محمدُ بنُ ذَكْوان: "وُضِع القلمُ عن ثلاثةٍ" (١)؛ أحدُهم المجنونُ حتى يُفيق؛ أي: أنك مجنون، وكان حَمّادٌ يُصْرَعُ في بعضِ الأوقاتِ ثم يُفيق. فقال له حَمّادُ: ما دعاك إلى هذا؟ فقال له محمدُ بنُ ذكْوان: وأنت ما دعاك إلى هذا؟ (٢).

قال أبو عمر (٣): في قولِ الكوفيِّينَ في هذا الباب ضروبٌ من الخطأ والاضطراب، مع خلافِ السُّنة في ذلك، وقد ردَّ عليهم في ذلك جماعة من المالِكيِّينَ والشافعيِّينَ وغيرهم، منهم إسماعيلُ وغيرُه. وحُكمُهم بالسِّعايةِ فيه ظلمٌ؛ لأنهم أحالُوهم على سعايةٍ لا يُدْرَى ما يَحصُلُ منها، وظلم للورثة؛ إذ أجازوا عليهم في الثلُثِ عِتْقَ الجميع بما لا يُدْرَى أيضًا أيَحصُلُ أم لا، وظلمٌ للعبيد؛ لأنهم أُلزِموا مالًا من غيرِ جناية. وبينَ الشافعيِّ ومالكٍ في هذا الباب من فُروعِه تنازعٌ ليس هذا موضعَ ذكرِه، لتشعُّبِ القولِ فيه.


(١) سلف تخريجه في أثناء حديث إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس المرسل.
(٢) ينظر: المغني لابن قدامة ١٠/ ٣١٨.
(٣) هذه الفقرة لم ترد في الأصل جملةً، وهي ثابتة في بقية النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>