للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: أما القولُ في هذا الباب بالقُرعة، فقد احتجَّ فيه الشافعيُّ وغيرُه (١) بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} الآية [آل عمران: ٤٤]. وبقوله عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: ١٣٩ - ١٤١]. وكفَى بحديثِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الذي أعتَق ستةَ مملوكِينَ له عندَ موتِه لا مالَ له غيرُهم، فأقرَع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بينَهم فأعتَق ثلُثَهم، وبأنه كان يُقرعُ بينَ نسائِه أيتُهن يَخرُجُ بها إذا أراد سفَرًا (٢)؛ لاستوائِهنَّ في الخُروج، وبإجماعِ العلماءِ على أن دُورًا لو كانت بينَ قوم، قُسِّمَتْ بينَهم وأُقْرع بينَهم في ذلك، وهذا طريقُ الشركةِ في الأملاكِ التي تقعُ فيها القسمةُ بالقُرعةِ على قَدْرِ القيمة؛ لأنَّ حقَّ المريضِ الثلثُ، وحقَّ الورثةِ الثُّلُثان، فصار بمنزلةِ شريكَيْن لأحدِهما سهمٌ، وللآخرِ سهْمان، كما لو أن الميتَ وَهْبَ العبيدَ كلَّهم لقوم ثم مات، لقُسِّموا بينَ القوم وبينَ الورثةِ بالقُرْعةِ هكذا، وإنما نفَر أبو حنيفةَ ومَن قال بقولِه من هذا القول؛ لأنهم جعَلُوا هذا بمنزلةِ مَن أعتَق ثلُثَ كلِّ عبدٍ من عبيدِه، فلم يَجُزْ أن يُعتَقَ بالقرعةِ بعضُهم، فغلِطُوا هاهنا في التشبيه، واللهُ المستعان.

أخبرنا فائقٌ مولى أحمدَ بنِ سعيد، عنه، عن عبدِ اللك بنِ بحرِ بنِ شاذان، عن محمدِ بنِ إسماعيلَ الصائغ، عن الحسنِ بنِ عليٍّ الحُلوانيِّ، قال: حدَّثنا عفانُ بنُ مسلم، قال: أخبرنا سَليمٌ (٣)، قال: حدَّثنا ابنُ عون، قال: قال لي محمدٌ: جاءني


(١) ينظر: الأمّ ٨/ ٣ للشافعي، ومسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح ٢/ ١٠٣ - ١٠٤ (٦٦١)، وبداية المجتهد لابن رشد ٤/ ٥٠ - ٥١.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٤٢/ ٤٠٤ (٢٥٦٢٣)، والبخاري (٢٥٩٣) و (٢٦٨٨) و (٤١٤١)، ومسلم (٢٧٧٠) من حديث عروة بن الزُّبير، عن عائشة رضي الله عنها.
(٣) هو سَلِيم بن حيّان الهُذلي البصريّ، وشيخه ابن عون: هو عبد الله بن أرطبان المُزني، أبو عون البصري، وشيخه محمد: هو ابن سيرين، وخالدٌ الذي سأله: هو ابن مهران الحذاء، وهو أحد الذين روَوْا عنه وعن الحسن البصري حديث هذا الباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>