للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خالدٌ فقال: أرأيتَ الذين قالوا في القُرْعة: إنه أقرَع بينَهم؟ فقلتُ له: إن نقصًا برأيك أن ترَى أن رأيك أفضلُ من رأي رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة. ولولا أنه كان في بيتي لأسمَعتُه غيرَ ذلك.

قال أبو عُمر: في هذا الحديثِ أيضًا من الفقه: إبطالُ السِّعاية، وردٌّ لقولِ العراقيِّينَ في ذلك؛ لأنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لم يَجعَلْ على أولئك العبيدِ سِعايةً (١).

وفيه دليلٌ على أن أفعالَ المريضِ كلَّها؛ من عتق، وهِبَة، وعطية، ووصية، لا يَجوزُ منها أكثرُ من الثُّلُث، وأن ما بتَلَه في مرضِه حُكْمُه حكمُ الوصية. وعلى ذلك جماعةُ فقهاءِ الأمصار. وخالَفهم في ذلك أهلُ الظاهرِ وطائفةٌ من أهلِ النظَر (٢)، والحُجّةُ عليهم بيِّنةٌ بهذا الحديث.

وفيه أيضًا دليل على أنّ الوصيّةَ جائزةٌ لغيرِ الوالدَينِ والأقربين؛ لأنَّ العبيدَ عِتْقُهم في المرضِ وصيّةٌ لهم. ومعلومٌ أنهم لم يكونوا بوالِدَينِ لمالِكهمُ المُعتِقِ لهم، ولا بأقربينَ له. وقد مضى ذِكْرُ الوصايا ممهّدًا في باب نافع (٣) من هذا الكتاب، والحمدُ لله.


(١) والسِّعاية: يا يُكلَّف به العبدُ من العمل ما يؤدِّي به عن نفسه، إذا أُعتِقَ بعضُه، ليعتق به ما بقِيَ. اللسان مادة (سعي).
(٢) ينظر: المحلّى لابن حزم ٩/ ٣٤٤ - ٣٤٦.
(٣) في شرح الحديث السابع والثلاثين له، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقد سلف في موضعه، وهو في الموطأ ٢/ ٣٢٣ (٢٢٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>