للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسْتَغْنَى بشُهْرَتِه وقَبُولِه والعملِ به عن الإسنادِ فيه، حتى يكادَ أن يكونَ الإسنادُ في مثلِه لشهرتِه تكلُّفًا.

أما قوله: "حذَفَ ابنَه بالسيف" فمعناه: رماه فقطَعهُ، والحذفُ الرَّميُ والقطعُ بالسيفِ أو العصا، ومَن رواه بالخاءِ المنقوطةِ فقد صحَّف؛ لأنَّ الخذفَ -بالخاء- إنما هو الرَّميُ بالحَصَى أو النَّوَى.

وحديثُ هذا الباب ليس فيه تصريحٌ بطرح القَوَدِ بينَ الأب وابنِه إذا قتَله، ولكنه فيه دليلٌ على ذلك؛ لأنَّ عُمرَ إنما أمَر فيه بالدِّيةِ المغلَّظةِ لطَرْحِ القَوَد، وهذا ما لا إشكالَ فيه إن شاء الله.

وقد اختلَف الفقهاءُ في ذلك بعضَ الاختلاف؛ فرُوِيَ عن مالكٍ أنه قال: يُقتَلُ الوالدُ بولدِه إذا قتلَه عَمدًا. وهو قولُ عثمانَ البَتِّيِّ. ودفَع مَن ذهَب هذا المذهبَ ما رُوِيَ من الأثرِ في ذلك؛ لأنها كلَّها معلولةُ الأسانيد، والمشهورُ من مذهبِ مالكٍ عندَ أصحابِه أنَّ الرجلَ إذا ذبَحَ ولدَه أو عَمِل به عَمَلًا لا يُشَكُّ في أنه عمَد إلى قَتْلِه دونَ أدب، فإنه يُقادُ به، وإن حذَفه بسيفٍ أو عصًا لم يُقتَلْ به (١).

وقال الشافعيُّ، وأبو حنيفة، والأوزاعيُّ: لا يُقادُ والدٌ بولدِه على حال، وكذلك الجدُّ لا يُقادُ بابنِ ابنِه. وقال الحَسَنُ بنُ حيٍّ: يُقادُ الجدُّ بابنِ الابن، ولا يُقادُ الأبُ بابنِه. وكان يُجيزُ شهادةَ الجدِّ لابنِ ابنِه، ولا يُجيزُ شهادةَ الأبِ لابنِه (٢).

وفي هذا الحديث أيضًا تغليظُ الدِّلة على الأبِ في قتلِه ابنَه؛ لأنَّ عُمرَ غلَّظها على قتادةَ المُدْلِجيِّ في قتلِه ابنَه، وقد يَحتمِلُ أن يكونَ قَتلَه عمدًا، ويَحتمِلُ أن يكونَ شِبهَ عمدٍ على مذهبِ مَن أثبَت شِبهَ العَمد.


(١) ينظر: المدوّنة ٤/ ٦٢٣ - ٦٢٤.
(٢) ينظر: الأمّ للشافعي ٦/ ١١٧، والإقناع لابن المنذر ١/ ٣٥١، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٥/ ١١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>