للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكَرنا حُكمَ الدِّياتِ في العمْدِ وشبهِه وفي الخطأ، وما يُغلَّظُ منها وما لا يُغَلَّظُ، وكيف الحكمُ فيها، ممهَّدًا مبسوطًا في بابِ عبدِ الله بنِ أبي بكرٍ من هذا الكتاب (١)، والحمدُ لله.

ولم يُدخِلْ مالكٌ هذا الحديثَ في باب الدِّيات، وإنما أدخَلَه في باب ميراثِ العَقل؛ فإن كان قتلُ قتادةَ المُدلِجيِّ ابنَه خطأ، بأن يكونَ أراد غيرَه وأصابه، فالدِّيةُ في ذلك على عاقلتِه، وإن كان أراده فليس الحذفُ بالسيفِ من شأنِ القتلِ به، ولا خلافَ بينَ العلماءِ أن مَن قصَد إلى غيرِه بحديدةٍ يَقتُلُ مثلُها أنه عمدٌ صحيح فيه القوَدُ، إلا أن يكونَ القاتلُ أبًا فإنهم اختلَفوا فيه، وقد حكَم مالكٌ في حذفِ الرجلِ ابنَه بالسيفِ بغيرِ حكم الأجنبيِّ في ذلك؛ لأنَّ ذلك من الأجنبيِّ عندَه عمدٌ يجبُ فيه القوَدُ، لأنه لا يَعرِفُ شبهَ العمدِ ويُنكِرُه. وقد ذكَرنا وجهَ العمدِ والخطأ، ووجهَ شبهِ العمدِ في القتل، في كتاب "الأجوبة عن المسائل المستغرَبة" (٢)، وجرَى من ذلك ذكر كافٍ في بابِ ابنِ شهاب عن سعيدِ بنِ المسيِّب.

وأما قولُ عُمرَ في هذا الحديثِ لسُراقةَ بنِ جُعْشُم: اعْدُدْ على ماءِ قُدَيدٍ عشرين ومئةَ بعير. فإنه أراد أن يأخُذَ منها ثلاثين حِقَّةً وثلاثين جَذَعةً وأربعين خَلِفَةً حوامل، يَختارُ ذلك في المئةِ والعشرين. وهذا بيِّن في الحديث، وهكذا التَّغليظُ على الأب في دِيةِ الإبل.

وأما تغليظُها في الذَّهبِ أو الوَرِقِ على أهلِها، فإنه يُنظَرُ إلى قيمةِ أسنانِ الدِّيةِ غيرِ مغلَّظةٍ فتُعْرَفُ، ثم يُنظَرُ إلى قيمةِ أسنانٍ التغليظ، ثم يُحكَمُ بزيادةِ ما بينَهما؛ فإن كان قيمةُ الأسنانِ في الخطأ سِتَّ مئةٍ، وقيمةُ المغلظةِ ثمانِ مئةٍ، فبينَ


(١) وهو ابن محمد بن عمرو بن حزم، وهو في الموطأ ٢/ ٤١٧ (٢٤٥٨)، وقد سلف ذلك في أثناء شرح الحديث الموفي عشرين له.
(٢) ص ٣٢١ فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>