للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: استفاض عند أهلِ العلم قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقادُ بالولدِ الوالدُ". وقولُه: "لا وصيةَ لوارثٍ" (١). استفاضةً هي أقوى من الإسناد، والحمدُ لله.

وأما منعُ القاتلِ عمدًا من الميراث، فإنها عقوبةُ لاستعجالِه إياه من غيرِ وجهِه، والمخطئُ عند مالكٍ ليس كذلك، لأنه لم يقصِدْ إلى القتل، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢]. فجعَل ذلك كلَّه كفّارةً، ومَن كُفِّر عنه قالوا: فلا عقوبةَ عليه، واللهُ أعلم. فلهذا لم يُمنَعْ عند مالكٍ وجماعةٍ معه الميراث، إلّا أنه لا يرِثُ من الدَّيةِ عندَهم؛ لأنها محمولةٌ عنه، ويستحيلُ أن تُحمَلَ عنه إليه.

وفي هذا الحديثِ أيضًا أنَّ القاتلَ لا يرِثُ ولا يَحجُبُ، ألا ترى أنَّ عُمرَ ردَّ إلى ابنِ قتادةَ المُدلِجيِّ ديةَ أخيه، ولم يعطِ الأبَ منها شيئًا، وقال لأخي المقتول: خُذْها، فإني سمِعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليس لقاتلٍ شيءٌ".

وأجمع العلماءُ على أنَّ القاتلَ عَمْدًا لا يرِثُ شيئًا من مالِ المقتول، ولا من دِيَته (٢)، رُوِيَ عن عُمرَ وعليٍّ أنَّ القاتلَ عَمْدًا لا خطأ لا يَرِثُ من المالِ ولا من الدِّيةِ شيئًا (٣)، ولا مخالفَ لهما من الصحابة.

واختلَفوا في قاتلِ الخطأ؛ فقالت طائفة من أهل العلم: يرثُ قاتلُ الخطأ من المال، ولا يرثُ من الدِّية. وإلى هذا ذهَب مالك (٤).

وقال آخرون: لا يرثُ قاتلُ الخطأ من المالِ ولا من الدِّية، كما لا يرِثُ قاتلُ العمد، لأنَّ الحديثَ عامٌّ في كلِّ قاتل. وإلى هذا ذهَب الشافعيُّ، وأبو حنيفة (٥). ومعنى هذا عند جماعةٍ من أهلِ النظرِ عقوبةً؛ لئلا يُتطرَّقَ إلى الميراثِ بالقتل.


(١) سلف تخريجه مرارًا، ينظر شرح الحديث الثامن والثلاثين لنافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٢) ينظر: الإجماع لابن المنذر، ص ٧٤ (٣٢٠)، ومراتب الإجماع لابن حزم، ص ٩٨.
(٣) سيأتي تخريجه قريبًا.
(٤) الموطّأ ٢/ ٤٤٠ (٢٥٤٠)، والمدوّنة ٤/ ٣٤٧.
(٥) ينظر: الأمّ للشافعيّ ٤/ ٧٦، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٤٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>