للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلَّتين، ولو كان في الماءِ مقدار يُراعَى لاعتُبِر ذلك في الصبِّ على بولِ الأعرابيّ، ومعلوم أن ذلك الذَّنوبَ ليس بمقدارِ القُلَّتينِ الذي جعَله الشافعيُّ (١) حدًّا، واللّهُ أعلم.

ومن أصحابِ الشافعيِّ مَن فرَّق بين وُرودِ الماءِ على النجاساتِ وبينَ ورودِها عليه، فاعتبَر مقدارَ القُلَّتينِ في وُرودِ النجاسةِ على الماء، ولم يَعتبرْ ذلك في ورودِ الماء عليها بحديثِ أبي هُريرةَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في غَسلِ اليدِ لمن استيقَظ من نومِه قبلَ أن يُدخِلَها في الإناء (٢)، وقد أوضَحنا هذا المعنى في باب أبي الزِّناد، والحمدُ لله.

وأما الحديثُ الذي ذهَب إليه الشافعيُّ في هذا الباب -حديثُ القُلَّتين (٣) - فإنه حديث يدورُ على محمدِ بنِ جعفرِ بنِ الزُّبير، وهو شيخٌ ليس بحجَّةٍ فيما انفرَد به، رواه عنه محمدُ بنُ إسحاق، والوليدُ بنُ كثير، فبعضُهم يقولُ فيه: عن محمدِ بنِ جعفرِ بنِ الزُّبير، عن عُبيدِ الله بنِ عبدِ الله بنِ عُمر، عن أبيه. وبعضُهم يقولُ فيه: عن محمدِ بنِ جعفرِ بنِ الزُّبير، عن عبدِ الله بنِ عبدِ الله بنِ عُمرَ، عن أبيه. وقد رواه حَمّادُ بنُ سَلَمة، عن عاصم بنِ المنذر، عن عُبيدِ الله بنِ عبدِ الله بنِ عُمر، عن أبيه، وكلُّهم يرفعُه، وعاصمُ بنُ المنذر عندَهم ليِّن ليس بحجَّة.

قال إسماعيلُ بنُ إسحاق: هذان شيخان -يعني محمدَ بنَ جعفرِ بنِ الزُّبير، وعاصمَ بنَ المنذر- لا يَحتمِلان التفرُّدَ بمثل هذا الحكم الجليل، ولا يكونان حجَّةً فيه.


(١) ينظر ما استند إليه الشافعيُّ في هذا: الأمّ ١/ ١٨ - ٢٣.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٥٤ (٤٠) عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة، وهو الحديث الثالث والعشرون لأبي الزناد، وقد سلف في موضعه.
(٣) سلف تخريجه والكلام عليه في أثناء شرح الحديث الخامس عشر لإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>