للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنُ إسحاق: حدَّثني بخبرِه هذا محمدُ بنُ عبدِ الله بنِ عبدِ الرّحمن بنِ أبي صَعْصَعَةَ المازنيُّ أحدُ بني النجار.

وقال ابنُ هشام (١): حدَّثني أبو بكر الزُّبيريُّ أنّ رجلًا دخَل على أبي بكرٍ الصدِّيق وبنتٌ لسَعْدِ بنِ الربيع، جاريةٌ صغيرةٌ، على صدرِه يَرْشُفُها ويُقبِّلُها، فقال رجل: مَن هذه؟ قال: هذه بنتُ رجلٍ خيرٍ منِّي؛ سَعْدِ بنِ الرّبيع، كان من النُّقباءِ يومَ العَقَبة، وشَهِد بدرًا، واستُشهِد يومَ أُحُد.

قال أبو عُمر: تَخَلَّفَ سَعْدُ بنُ الربيع رحمَه الله ابنتين اثنتين، وبهما عُرِفت السُّنةُ والمرادُ من كتاب الله عزَّ وجلَّ في ميراثِ الابنتَين؛ لأنّ القرآنَ إنما نطَق بقوله: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: ١١]. فأخبَر بميراثِ الواحدةِ وميراثِ ما فوقَ الاثنين، ولم يذكُرْ الاثنتَين، فلمّا أعطَى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ابنتَيْ سَعْدِ بنِ الربيع الثُّلُثَين، عُلِم أنَّ مرادَ الله عزَّ وجلَّ أنّ ميراثَ الاثنتَينِ من البناتِ كميراثِ ما فَوْقَهُنَّ من العددِ لا كميراثِ الواحدة، فكأنه قال عزَّ وجلَّ: فإن كُنَّ نساءً؛ فوق اثنتين فما فوقَهما، فلهنَّ الثلُثان.

وقد قيل: إن ذلك أُخِذ قياسًا واعتبارًا بالأُختين. وهذا والحمدُ لله إجماعٌ وإن اختُلِف في السبب، وقد قيل: إن قوله: {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ}. معناه: اثنتين، كما قال: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: ١٢]. يريدُ الأعناق (٢).


(١) في السيرة النبويّة ٢/ ٩٥.
(٢) وعلى هذا فقوله: {فَوْقَ} زائدة، أو صلة، وتقديره: فإن كُنَّ نساء اثنتين، والجمهور من أهل التفسير والفقه على أنّ في الآية بيان الواحدة من البنات، وبيان الجمع، وليس فيها بيان التثنية، فأُلحقت التثنية بالجمع، لأنّ إلحاقها بالجمع أوْلى منه بالواحد، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى بعد ذلك: {فَلَهُنَّ}.
وقال ابن كثير في تفسيره ٣/ ٣٧٢ تعليقًا على الآيتين اللتين ساقهما المصنِّف هنا: "وهذا غير مسلّم لا هنا ولا هناك، فإنه ليس في القرآن شيءٌ زائدٌ لا فائدة فيه، وهذا ممتنع، ثم قوله: {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} لو كان المراد ما قالوه لقال: فلَهُما ثُلُثا ما ترك". وينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٥/ ٦٣ و ٧/ ٣٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>