للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحدٍ من هؤلاء في ذلك إلّا عُروةَ، فإنّه اختُلِفَ فيه عنه. وكذلك اختُلِفَ فيه عن ابن شهابٍ، فقال معمرٌ: سألتُ الزهريَّ عن اليمين مع الشاهد، فقال: هذا شيءٌ أحدَثَه الناسُ، لا بدَّ من شهيدين (١). وقد رُوِيَ عنه أنّه أولَ ما وليَ القضاءَ حكَم بشاهدٍ ويمينٍ. وبه قال مالكٌ وأصحابُه، والشافعيُّ وأتباعُه، وأحمدُ بن حنبلٍ، وإسحاقُ بن راهُويَةَ، وأبو عُبيدٍ، وأبو ثَوْرٍ، وداودُ بن عليٍّ، وجماعةُ أهلِ الأثَر، وهو الذي لا يجوزُ عندي خلافُه؛ لتواتُرِ الآثارِ به عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وعملِ أهلِ المدينة به قرنًا بعدَ قرن.

وقال مالكٌ رحمه الله: يُقضَى باليمينِ مع الشاهدِ في كلِّ البلدان. ولم يحتَجَّ في "مُوَطَّئه" لمسألةٍ غيرها، ولم يختلَفْ عنه في القضاءِ باليمينِ مع الشاهدِ، ولا عن أحدٍ من أصحابِه بالمدينة ومصرَ وغيرهما. ولا يعرِفُ المالكيون في كلِّ بلدٍ غير ذلك من مذهبِهم، إلّا عندَنا بالأندلس؛ فإنّ يحيى بن يحيى ترَكه وزعَم أنّه لم يرَ الليثَ بن سعدٍ يُفتي به، ولا يذهَبُ إليه. وخالف يحيى مالكًا في ذلك مع خِلافِه السُّنةَ والعملَ بدار الهجرة، وقد كان مالكٌ يقول: لا يُقْضى بالعُهدةِ في الرقيق إلّا بالمدينةِ خاصةً، أو على مَن اشتُرطَتْ عليه، ويُقضَى باليمينِ مع الشاهدِ الواحد في كلِّ بلدٍ. وقد أفرَد الشافعيُّ، رحمه الله، لذلك كتابًا بيَّن فيه الحُجَّة على مَن رّدَّه وأكثرَ من ذلك أصحابُه.

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه، والثوريُّ، والأوزاعيُّ: لا يُقْضَى باليمين مع الشاهد الواحد. وهو قولُ عطاءٍ، والحكمِ بن عتيبةَ، وطائفةٍ. وزعَم عطاءٌ أنّ أوّلَ مَن قَضَى به عبدُ الملك بن مروانَ. وهذا غَلَطٌ وظَنٌّ لا يُغْني مِن الحقِّ شيئًا،


(١) أي: شاهدين، ومنه قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢]، وقوله تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: ٢٨٢] وغيرهما في القرآن الكريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>