للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس مَن نفَى وجَهِل كمَن أثْبَتَ وعَلِم، وقد ذكَرنا من سمَّيْنا من الصحابةِ والتابعين، وليس فيهم من يَدَعُ علمَه لعبدِ الملك بن مروان.

وقد ذكَر عبدُ الرَّزَّاق (١)، عن ابن جُريج، عن ابن أبي مُليكةَ، أنّ مروانَ قضَى بشهادةِ ابن عمرَ وحدَه لبني صُهيبٍ؛ يعني مع أيمانهم.

وزعَم بعضُ مَن ردَّ اليمينَ مع الشاهدِ أنّ الحديثَ المرويّ فيه منسوخٌ بقول الله عز وجل: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢]. قالوا: ولم يقل: فإن لم يكن رجلٌ وامرأتان فشهادةٌ ويمينٌ. ومن حُجَّتِهم أيضًا أنّ اليمينَ إنّما جُعِلَتْ للنفي لا للإثبات، وجعَلها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على المدَّعَى عليه، فلا سبيلَ للمدعي إليها.

قال أبو عُمر: وفي هذا إغفالٌ شديدٌ، وذهابٌ عن طريق النظرِ والعلم، وما في قول عزَّ وجلَّ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} ما يُرَدُّ به قضاءُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في اليمين مع الشاهدِ، وإنّما في هذا أنّ الحقوقَ يُتَوَصَّلُ إلى أخذِها بذلك، وليسَ في الآية أنّه لا يُتَوَصَّلُ إليها ولا تُسْتَحَقُّ إلّا بما ذُكِرَ فيها لا غيرُ، واليمينُ مع الشاهدِ زيادةُ حكم على لسانِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، كنهيِه عن نكاح المرأةِ على عمتِها وعلى خالتِها (٢)، مع قول الله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤]، وكنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن أكلِ لحوم الحُمُرِ الأهلية، وكلِّ ذي نابٍ من السباع (٣)، مع قول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية [الأنعام: ١٤٥]. وكالمسح على الخُفَّين، والقرآنُ إنّما ورَد بغَسلِ الرجليْنِ أو مسحِهما. ومثلُ هذا كثيرٌ.


(١) المصنف (١٥٤٤١).
(٢) الموطأ (١٥٢٠).
(٣) الموطأ (١٤٣٣) و (١٤٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>