للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو جاز أن يقالَ: إنّ القرآنَ نسَخ حكمَ رسول الله باليمين مع الشاهدِ، لجاز أن يُقالَ: إنّ القرآنَ في قوله عزَّ وجلَّ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]، وفي قوله: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] ناسخٌ لنَهْيه - صلى الله عليه وسلم - عن المُزَابَنة (١)، وبَيعْ الغَرَر (٢)، وبَيعْ ما لم يُخلَقْ، إلى سائرِ ما نهَى عنه في البيوع، ولجاز أن يقال: إنّ قولَ الله عزَّ وجلَّ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] ناسخٌ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صدقةَ في الخيل والرقيق" (٣). وهذا لا يَسُوغُ لأحدٍ؛ لأنّ السنةَ مُبَيِّنةٌ للكتابِ زائدةٌ عليه ما أذِنَ الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في الحُكم به، ولو جازَ ذلك لارتفَعَ البيانُ، واللّهُ عزَّ وجلَّ يقول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤].

واللّه عزَّ وجلَّ يفترِضُ في كتابه وعلى لسانِ رسولِه ما شاءَ، وقد أمَرَ اللهُ بطاعةِ رسولِه أمرًا مُطلقًا، وأخبَر أنّه لا ينطِقُ عن الهوى، {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أُوتيتُ الكتابَ ومثلَه معه" (٤). وقال عزَّ وجلَّ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: ٣٤]. قالوا: القرآنُ والسنةُ. ومن جِهَةِ القياسِ والنظرِ أنّا وجَدْنا اليمينَ أقوَى من المرأتَيْن؛ لأنّهما لا مدخَلَ لهما في اللِّعان، واليمينُ تدخُلُ في اللِّعان، ولمّا ثبَت أن يُحكَمَ بشهادةِ امرأَتَيْن ورجلٍ في الأموال، كان كذلك اليمينُ مع شهادةِ الرجل.


(١) الموطأ (١٨٢٧) و (١٨٢٨) و (١٨٢٩) و (١٨٣١).
(٢) الموطأ (١٩٤١) و (١٩٤٢) و (١٩٤٣) و (١٩٤٤) و غيرها.
(٣) الموطأ (٧٥١)، وهو في الصحيحين.
(٤) حديث صحيح.
أخرجه أحمد ٢٨/ ٤١٠ (١٧١٧٤)، وأبو داود (٤٦٠٤)، والطحاوي في شرح المعاني ٤/ ٢٠٩، وابن حبان (١٢)، والطبراني في الكبير ٢٠/ حديث ٦٦٧، ٦٦٨، ٦٧٠ وغيرهم من حديث المقدام بن معدي كرب الكندي.

<<  <  ج: ص:  >  >>