للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عُمر: لما أوتَر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على البَعِير عَلِمْنا أنَّ الوترَ حُكْمُه حكمُ النافلةِ لا حُكمُ الفَريضةِ، إذْ لا خِلافَ بينَ المسلمين ينقُلُ كافَّتُهم عن كافَّتِهم عن نَبيِّهم -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الفريضةَ لا يُصلِّيها على الدَّابةِ أحدٌ وهو آمنٌ قادرٌ على أن يُصلِّيَها بالأرض، وإنما تُصلَّي الفريضةُ على الدَّابةِ في شدَّةِ الخوف؛ لقول الله عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: ٢٣٩].

وقالت طائفةٌ من أهل العلم: إنما تُصلَّى في شِدَّةِ الطِّينِ والماءِ والوحَلِ على الدابةِ لعدم الاستطاعةِ على صلاتِها في الماء، واللهُ لا يُكلَّفُ نفسًا إلا وُسْعَها.

فلمّا ثبَتَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يُوتِرُ على البعيرِ بانَ بذلك أنَّ الوترَ نافلةٌ لا فَرِيضة. ومما يدُلُّ على ذلك أيضًا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خمسُ صلواتٍ كتَبهنَّ اللهُ على العباد".

وقال الأعرابيُّ النَّجْديُّ: هل عليَّ غيرُها؟ قال: "لا، إلّا أن تَطوَّعَ" (١). وقال الله عزَّ وجلَّ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨]. ولو كانت الصلواتُ سِتًّا لم يكنْ فيها وُسْطى.

وقد تقدَّم ذكرُ الحالةِ التي يجوزُ فيها التنفُّلُ على الدابةِ وما للعلماءِ في ذلك من التَّنازُع والاعتلال في باب عبدِ الله بنِ دينار (٢)، وباب عَمْرِو بنِ يحيى (٣) من هذا الكتاب، والحمدُ لله.


(١) أخرجه مالك في الموطّأ ١/ ٢٤٨ (٤٨٥) عن عمِّه أبي سُهيل بن مالك، عن أبيه، عن طلحة بن عُبيد الله، به. وهو الحديث الثاني لأبي سهيل بن مالك، وقد سلف مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه.
(٢) في أثناء شرح الحديث الرابع عشر له، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو في الموطّأ ١/ ٢١٥ (٤١٣)، وقد سلف مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه.
(٣) وهو المازنيُّ، وقد سلف ذلك في أثناء شرح الحديث الثاني له، عن أبي الحُباب سعيد بن يسار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وهو في الموطّأ ١/ ٢١٥ (٤١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>