للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعتبَر مالكٌ، والثوريُّ، وابنُ أبي ليلى، والشافعيُّ، والليثُ، خمسةَ أوسُقٍ وقالوا: لا زكاةَ فيما دونها. وهو قولُ أحمدَ بنِ حنبل، وإسحاقَ بنِ راهُوية، وأبي ثور، وابنِ المبارك، وجمهورِ أهلِ الرأي والحديث (١).

واختلَفوا في الحبوبِ والثمارِ التي تجبُ فيها الزكاةُ، وقد ذكَرنا أقاويلَهم في ذلك في باب عَمْرِو بنِ يحيى (٢) من هذا الكتاب، والحمدُ لله.

وقال داودُ بنُ عليٍّ (٣) في هذا الباب قولًا؛ بعضُه كقولِ أبي حنيفةَ ومَن تابَعه، وبعضُه كقول سائرِ الفقهاء؛ قال: أما ما يؤكَلُ أو يُشرَبُ ممّا يُكالُ أو يزرَعُه الآدميُّون من الحبوبِ كلِّها والثمار، فلا زكاةَ فيه حتى يبلُغَ خمسةَ أوسُق، وأمّا ما لا يُكالُ ولا يُضبَطُ بكَيلٍ مما يُنبِتُه الناسُ، ففي قليلِه وكثيرِه العُشْرُ، أو نَصْفُ العُشْر، على حَسَبِ ما يُسقَى به.

قال أبو عُمر: أما قولُه -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: "فيما سقَتِ السماءُ والأنهارُ والعيونُ العُشرُ، وما سُقِيَ بالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْر". فمعناه عندَ جماعةِ أهل الحجازِ وجمهورِ أهلِ العراق: إذا بلَغ المقدارُ خمسةَ أوسُق، وكان ممّا تجبُ فيه الزكاةُ من الثمارِ والحبوب، فحينئذٍ يجب فيه العُشْرُ أو نِصْفُ العُشْر، ولا فرقَ بينَ أن يرِدَ هذا في حديثينِ أو في حديثٍ واحد. ويدُلُّ على صحةِ هذا المذهب مع استفاضَتِه في أهلِ العلم، أنه لم يأتِ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أحدٍ من أصحابِه، ولا من التابعينَ بالمدينة،


(١) ينظر: الأمّ للشافعيّ ٤/ ١٥٩، والمدوّنة ١/ ٣٨٠ - ٣٨١، ومسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية لإسحاق بن منصور الكوسج ٣/ ١١٥٤ - ١١٥٩ (٦٧٠)، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٤٥٠ - ٤٥٤.
(٢) وهو المازنيُّ، وقد سلف ذلك في أثناء شرح الحديث الثالث، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه، وحديثه في الموطّأ ١/ ٣٣٣ (٦٥٢).
(٣) وهو الظاهريُّ أبو سليمان البغدادي الأصبهاني، وهذا القول نقله عنه ابن حزم في المحلّى ٥/ ٢١١ - ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>