للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس ما ذكَروا من الشُّغْلِ عن غُسْلِ شُهداءِ أُحدٍ عِلّة، لأنَّ كلّ واحدٍ منهم كان له وليٌّ يَشتَغِلُ به ويقومُ بأمْرِه.

والعِلّةُ -والله أعلمُ- في ترْكِ غُسْلِهم ما جاء في الحديثِ المرفوع في دمائهم أنّها تأتي يومَ القيامةِ كريح المسْكِ؛ رواهُ الزُّهريُّ عن عبدِ الله بنِ ثعلبة، أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال لقتْلى أُحدٍ: "زَمِّلُوهم بجِراحِهم، فإنّه ليسَ من كَلْم يُكْلَمُه المؤمنُ في سبيل الله إلا أُتيَ يومَ القيامةِ لوْنُه لوْنُ الدّم، ورِيحُه ريحُ المِسْك" (١).

ورُويَ مثل هذا من وجوه (٢).

فبانَ أنَّ العلّةَ ليستِ الشُّغْلَ كما قال مَنْ قال ذلك، وليس لهذه المسألةِ مَدْخَلٌ في القياس والنّظَر، وإنّما هي مسألةُ اتِّباعٍ للأثَرِ الذي نقلتْهُ الكافّةُ في قَتْلى أُحُد: أنّهم لم يُغسَّلُوا، ولثُبوتِ أخبارِ الآحادِ العُدولِ بذلك عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.

وقد احتجَّ بعضُ المتأخِّرينَ ممّنْ ذهبَ مذهبَ الحسنِ وسعيدٍ في هذه المسألةِ بقولِه -صلى الله عليه وسلم- في شُهداء أُحدٍ: "أنا شهيدٌ على هؤلاءِ يومَ القيامة" (٣) وقال: هذا يدلُّ على خُصُوصِهم، وأنّهم لا يُشرِكُهم في ذلك غيرُهم.

قال: ويلزمُ مَنْ قال في المُحْرِم الذي وقَصَتْهُ ناقتُه، فقال فيه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-:


(١) أخرجه ابن إسحاق كما في السيرة النبوية لابن هشام ٢/ ٩، قال: حدثني مسلم الزُّهري، به.
وأخرجه أحمد في المسند ٣٩/ ٦٣ (٢٣٦٥٨) عن يزيد بن هارون، والبيهقي في دلائل النبوّة ٣/ ٢٩٠ من طريق يونس بن بكير، كلاهما يزيد ويونس، عن محمد بن إسحاق بن يسار، به. وهو حديث صحيح، وقد صرّح محمد بن إسحاق بالتحديث عند ابن هشام، فانتفت شُبهة تدليسه.
(٢) منها ما رواه مالكٌ في الموطّأ ١/ ٥٩٣ (١٣٢٦) عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وأخرجه البخاري (٢٨٠٣) عن عبد الله بن يوسف التِّنِّيسي، عن مالك، به. وهو الحديث الثالث والأربعون لأبي الزناد، وقد سلف مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه.
(٣) جزء من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما السالف تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>