للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللشافعيِّ في ذلك قولان، أحدُهما: يُغسَّلُ جميعُ الموتى إلّا من قتلَهُ أهلُ الحرب (١)، والآخَرُ: لا يُغسَّل قتِيلُ البُغاة (٢).

وقولُ أحمدَ بنِ حنبلٍ في هذا الباب كلِّه كقولِ مالكٍ سواءٌ (٣).

وروَى شُعبةُ، والثّوريُّ، ومِسْعَرٌ -بمعنًى واحد- عن قيسِ بنِ مُسلم، عن طارقِ بنِ شهاب؛ أنَّ سَعْدَ بنَ عُبيدٍ القارئ -وهو أبو زيد- قال يومُ القادسية: إنّي مُستَشْهِدٌ غدًا، فلا تَغْسِلُوا عنّي دمًا، ولا تنْزِعُوا عنّي ثوبًا (٤).

وسُئلَ مكحولٌ عن الشّهيد: أيُصَلّى عليه؟ قال: نعم، ويُنزَعُ عنه كلُّ خُفٍّ ومنْطَقَة (٥) وخاتَم وجِلْدٍ إلّا الفَرْوَ، فإنّه من ثيابِه، ولا يُنزَعُ عنه شيءٌ من ثيابه؛ ولا يُزادُ عليه ثوبٌ إلّا أن تُضَمَّ عليه ثيابُه بثوبٍ يلُفُّونَه به؛ قال مكْحول: فإن لم يُقتَلْ قعْصًا (٦) ولم يُجْهَزْ عليه، وباتَ وطعِمَ ثم مات، نُزِعَتْ عنه ثيابُه وطُهِّرَ.

وهو قولُ فقهاء الشام: الأوزاعيِّ، وسعيدِ بنِ عبدِ العزيز، وجماعَتِهم.

قال أبو عُمر: غُسْلُ الموتى قد ثبتَ بالإجماع، ونقْلِ الكافّة، فواجبٌ غُسْلُ كلِّ ميّتٍ إلّا مَنْ أخرجَه إجماعٌ أو سُنّةٌ ثابتةٌ، وهذا قولُ مالك، واللهُ الموفِّق للصّواب.


(١) الأُمّ ١/ ٣٠٦.
(٢) الأمّ ٤/ ٢٣٥، وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٨٠.
(٣) ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله، ص ١٣٥ (٥٠٠)، ومسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية ٨/ ٣٩٠٥ (٢٧٨٥).
(٤) أخرجه سعيد بن منصور في سننه ٢/ ٢٦٢ (٢٥٧٥) عن سفيان الثوري.
وأخرجه عن أبي وكيع الجراح بن مليح الرؤاسيّ عن قيس بن مسلم الجَدَلي، به.
وهو عند عبد الرزاق في المصنَّف ٣/ ٥٤٣ (٦٦٤٢)، وابن سعد في الطبقات الكبرى ٣/ ٤٥٨، وابن أبي شيبة في المصنَّف (١١١٠٦) و (٣٣٤٨١) من طريق سفيان الثوري، عن قيس بن مسلم الجَدَليّ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن سعد بن عُبيد القارئ، به.
(٥) المنطقة: ما يُشدُّ به الوسط من إزارٍ ونحوه. ينظر: الصحاح مادة (نطق).
(٦) قوله: "قعْصًا" القَعْصُ: الموت المعجَّل أو السريع، يقال: مات فلانٌ قعْصًا: إذا أصابتْهُ ضربةٌ أو رميةٌ فمات مكانه. ينظر: اللسان مادة (قعص).

<<  <  ج: ص:  >  >>