للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معطوفٌ على اللفظِ دونَ المعنى، والمعنى فيه الغَسلُ على التقديم والتأخير، فكأنه قال عزَّ وجلَّ: إذا قُمتُم إلى الصلاة، فاغسِلوا وجوهَكم وأيديَكم إلى المرافقِ وأرجلَكم إلى الكعبين، وامسَحُوا برؤوسِكم. والقراءتان بالنصبِ والجرِّ صحيحتان مستفيضتان، والمسحُ ضدُّ الغَسلِ ومخالفٌ له، وغيرُ جائزٍ أن تُبطَلَ إحدى القراءتَينِ بالأُخرى ما وُجد إلى تخريج الجمع بينَهما سبيلٌ، وقد وجَدنا العربَ تخفِضُ بالجوار، كما قال امرؤُ القيس:

كبيرُ أناسٍ في بِجَادٍ مُزمَّلِ (١)

فخفَض بالجوار، وإنما المزمَّلُ الرجلُ، وإعرابُه ها هُنا الرفعُ.

وكما قال زهير:

لعِب الزمانُ بها وغيَّرها ... بَعدِي سَوافِي المُورِ والقَطْرِ (٢)

قال أبو حاتم: كان الوجهُ "القطرُ" بالرفع، ولكن جرَّه على جوارِ المُور، كما قالت العرب: هذا جُحْرُ ضبٍّ خرِبٍ. فجرَّتْه، وإنا هو رفعٌ، وخفضُه بالمجاورة (٣).


(١) وهذا عجز بيت، يصف فيه جبلًا بمكّة يُسمّى ثَبيرًا في حال انحدار أوّل السّيل عنه مشبِّهًا إياه بالشيخ المزمّل، يعني: الملتفّ في بجاد، وهو كساءً مخطَّط، وصدرُه:
كأنّ ثبيرًا في عرانينِ وبْلِه
(٢) ديوان زهير بن أبي سُلمى، ص ١٨، وفي المطبوع منه: "والرياح" بدل: "الزمان" كما في الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري ٢/ ٤٩٣، ٧٠٠، والأزمنة والأمكنة للمرزوقي، ص ٥٠٣، وشرح شافية ابن الحاجب لنجم الدين الاستراباذي ٢/ ٣١٩، وخزانة الأدب للبغدادي ٩/ ٤٤٣.
وقوله: "سوافي" جمع سافية، اسم فاعل من قولك: سَفَتِ الريحُ التُّراب تسْفِيه: إذا ذرَتْهُ أو حملَتْهُ. و"المُور" بضمِّ الميم: الغُبار، و"القطْر": المطرُ، والمعنى: تغيَّرت هذه الديار بما أثارته الرياحُ عليها من الغُبار وبما تتابع عليها من المطر. ونقل البغداديُّ عن أبي عبيدة قوله: "ليس للقطر سوافٍ، ولكنّه أشركَهُ في الجرِّ".
(٣) قوله: "وخفضه بالمجاورة" لم يرد في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>