للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا قراءةُ أبي عَمْرو: "يُرسَلُ عليكما شُوَاظٌ من نارٍ ونُحاسٍ". بالجرِّ (١)؛ لأنَّ النُّحاسَ الدخانُ.

فعلى ما ذكَرنا تكونُ معنى القراءةِ بالجرِّ النصبَ، ويكونُ الخفضُ على اللفظِ للمجاورة، والمعنى الغَسلُ. وقد يُرادُ بلفظِ المسحِ الغَسلُ عندَ العرب، من قولهم: تمسَّحتُ للصلاة. والمرادُ الغَسلُ. ويَشدُّ هذا التأويلَ كلَّه قولُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "ويلٌ للأعقابِ مِن النار". وعلى هذا القولِ والتأويلِ جمهورُ علماءِ المسلمين، وجماعةُ فقهاءِ الأمصارِ بالحجازِ والعراقِ والشام من أهل الحديثِ والرأي، وإنما رُوِيَ مسحُ الرِّجلَين عن بعضِ الصحابةِ وبعضِ التابعين، وتعلَّق به الطبريُّ (٢)، وذلك


(١) وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو وروْحُ بن عبد المؤمن، ينظر: معاني القراءات للأزهري ٢/ ٤٦ - ٤٧، وحجّة القراءات لابن زنجلة، ص ٦٩٣، والنشر في القراءات العشر لابن الجزري ٢/ ٣٨١، قال الأزهريُّ: "ونحاس -ها هُنا- معناه الدُّخانُ. ومَنْ خفضَه عطفه على قوله: {مِنْ نَارٍ}، ومَن رفعَه عطفه على قوله: {شُوَاظٌ} ".
(٢) لم يقل الطبري رحمه الله بالمسح على هذا المعنى، إنما قال بالغَسْل بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وبالمسح بمعنى "الفرك" فسماه الماسح الغاسل، قال بعد أن أورد اختلاف القرأة:
"والصواب من القول عندنا في ذلك. أنَّ الله عزَّ ذكره أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم. وإذا فعل ذلك بهما المتوضئ، كان مستحقًّا اسم "ماسح غاسل"، لأن "غسلهما"، إمرارُ الماء عليهما أو إصابتهما بالماء، و"مسحهما"، إمرار اليد أو ما قام مقام اليد عليهما. فإذا فعل ذلك بهما فاعلٌ فهو "غاسلٌ ماسح".
ولذلك من احتمال "المسح" المعنيين اللذين وصفتُ من العموم والخصوص، اللذين أحدهما مسح ببعض، والآخر مسح بالجميع -اختلفت قراءة القَرَأَة في قوله: "وأرجلكم"، فنصبها بعضهم، توجيهًا منه ذلك إلى أن الفرض فيهما الغسل، وإنكارًا منه المسح عليهما، مع تظاهر الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعموم مسحهما بالماء. وخفضها بعضهم، توجيهًا منه ذلك إلى أن الفرض فيهما المسح.
ولما قلنا في تأويل ذلك -إنه معنيٌّ به عموم مسح الرجلين بالماء- كره من كره للمتوضئ الاجتزاء بإدخال رجليه في الماء دون مسحهما بيده أو بما قام مقام اليد، توجيهًا منه قوله: =

<<  <  ج: ص:  >  >>