للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرُ صحيح في نظرٍ ولا أثر، والدليلُ على وجوبِ غَسلِ الرجلين قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "ويلٌ للأعقابِ مِن النار". فخوَّفَنا بذكْرِ النارِ من مخالفةِ مرادِ الله عزَّ وجلَّ، ومعلومٌ أنه لا يُعذَّبُ بالنارِ إلا على ترْكِ الواجب، ألا ترَى إلى ما في حديثِ عبدِ الله بنِ عَمْرو (١): فرأى أعقابَنا تلوحُ فقال: "ويلٌ للأعقابِ من النار".

وأوضحُ من هذا ما في حديثِ عبدِ الله بنِ الحارث: "ويلٌ للأعقابِ وبطونِ الأقدام من النار" (٢).

ومعلومٌ أن المسحَ ليس شأنُه الاستيعاب، ولا خلافَ بينَ القائلين بالمسح على الرِّجلينِ أن ذلك على ظُهورِهما لا على بطُونِهما، فتبيَّن بهذا الحديثِ بُطلانُ قولِ مَن قال بمسْحِ القدَمين، إذ لا مدخَلَ لمسحِ بطُونِهما عندَهم، وأن ذلك إنما يُدرَكُ بالغسلِ لا بالمسح.

ودليلٌ آخرُ من الإجماع، وذلك أنهم أجمَعُوا على أن مَن غَسَل قدَميهِ فقد أدَّى الواجبَ الذي عليه.


= "وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين"، إلى مسح جميعهما عامًا باليد، أو بما قام مقام اليد، دون بعضهما، مع غسلهما بالماء.
فإذا كان "المسح" المعنيان اللذان وصفنا: من عموم الرجلين بالماء، وخصوص بعضهما به، وكان صحيحًا، أن مراد الله من مسحهما العموم، وكان لعمومهما بذلك معنى "الغسل" و"المسح" فبيِّنٌ صواب قَرَأةِ القراءتين جميعًا، أعني النصب في "الأرجل" والخفض. لأن في عموم الرجلين بمسحهما بالماء غسلُهما، وفي إمرار اليد وما قام مقام اليد عليهما مسحهما.
فوجه صواب قراءة مَن قرأ ذلك نصبًا، لما في ذلك من معنى عمومها بإمرار الماء عليهما.
ووجه صواب قراءة مَن قرأه خفضًا، لما في ذلك من إمرار اليد عليهما، أو ما قام مقام اليد، مسحًا بهما". ينظر: تفسير الطبري من كتابه جامع البيان، بتحقيقنا ٣/ ٣٨ - ٣٩.
(١) هو السالف تخريجه.
(٢) سلف تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>