للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلَفوا فيمَن مسَح قدَميه، فاليقينُ ما أجمَعُوا عليه دونَ ما اختلَفوا فيه، وقد اتفَقوا أن الفرائضَ إنما يَصحُّ أداؤُها باليقين، وإذا جاز عندَ مَن قال بالمسح على القدَمينِ أن يكونَ مَن غَسَل قدَميهِ قد أدَّى الفرضَ عندَه، فالقولُ في هذا الحالِ بالاتفاقِ هو اليقين، مع قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ويلٌ للأعقابِ من النار". وقد قيل: إن مَن قرَأ: (وأرجلِكم). بالخفضِ أراد به المسحَ على الخُفَّين. مع ما رُوِيَ في ذلك من الآثار، والله أعلم.

وذكر أشهبُ عن مالكٍ أنه سُئِل عن قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}. في آية الوضوء: أبالنصبِ أم بالخفض؟ فقال: هو الغَسلُ ولا يُجزِئُ المسحُ (١).

قال أبو عُمر: مَن قرَأ بالنصبِ فصَل بينَ المسْحِ والغَسلِ بالإعراب، فكأنه قال: اغسِلُوا وجوهَكم وأيديَكم إلى المرافقِ وأرجلَكم إلى الكَعبين. وكأنّ ذلك أشبهُ بفعلِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وبأمْرِه.

فأما فِعْلُه، فما نقَل الجمهورُ كافّةً عن كافّةٍ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يَغسِلُ رجلَيهِ في وُضوئِه مرةً واثنتين وثلاثًا حتى يُنقِيَهُما.

وأما أمرُه، فقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ويلٌ للأعقابِ من النار". وقد جاء عنه -صلى الله عليه وسلم-: "ويلٌ للأعقابِ وبطُونِ الأقدام من النار". و"ويلٌ للعراقيبِ من النار". ولو لم يكنِ الغَسلُ واجبًا ما خوَّف مَن لم يغسِلْ عقبَيْه وعُرقُوبيه بالنار؛ لأنَّ المسحَ ليس من شأنِه الاستيعاب، ولا يُبلَغُ به العراقيبُ ولا الأعقاب.

قال أبو عُمر: العُرقوبُ: هو مجَمَعُ مَفصلِ الساقِ والقدَم، والكعبُ: هو الناتئُ في أصلِ الساق، يدُلُّك على ذلك حديثُ النعمانِ بنِ بشيرٍ قال: أقبَل


(١) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ١٠/ ٥٧.
وذكره ابن رشد في البيان والتحصيل ١/ ١٢٠. أشهب: هو ابن عبد العزيز القيسيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>