للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هكذا قال محمدُ بن عَمْرِو بن الحسنِ. ويَحتمِلُ قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "ليس البِرَّ الصيامُ في السَّفرِ"، أي: ليس هو أبَرَّ البِرِّ؛ لأنَّه قد يكونُ الإفطارُ أبَرَّ منه إذا كان في حجٍّ أو جِهادٍ؛ ليَقوَى عليه، وقد يكونُ الفِطرُ في السَّفَرِ المباحِ بِرًّا؛ لأنَّ اللهَ أباحَه. ونظِيرُ هذا من كلامِه - صلى الله عليه وسلم -: "ليس المسكينُ بالطوَّافِ الذي ترُدُّه التَّمرةُ والتَّمرتان، واللُّقمةُ واللُّقمتان". قيل: فمَن المِسْكينُ؟ قال: "الذي لا يسألُ، ولا يجِدُ ما يُغنِيه، ولا يُفْطَنُ له فيُتصَدَّقَ عليه" (١). ومعلومٌ أنّ الطَّوَّافَ مسْكِينٌ، وأنّه من أهلِ الصدَقَةِ إذا لم يكُنْ له شيءٌ غيرُ تَطْوافِه. وقد قال - صلى الله عليه وسلم - "رُدُّوا المِسْكينَ ولو بكُرَاعٍ مُحْرَقٍ". و: "رُدُّوا السَّائلَ ولو بظِلْفٍ مُحْرَقٍ" (٢). وقالت عائشةُ: إنَّ المِسكِينَ لَيَقِفُ على بابي. الحديثَ (٣). وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠]. فأجمَعوا أنّ الطَّوَّافَ منهم، فعُلِمَ أنّ قولَه - صلى الله عليه وسلم -: "ليس المسْكِينُ بالطَّوَّافِ عليكم"، مَعْناه: ليس السائلُ بأشَدِّ الناسِ مسكَنَةً؛ لأنّ المُتعَفِّفَ الذي لا يَسألُ الناسَ ولا يُفْطَنُ له أشَدُّ مَسْكَنَةً منه، فكذلك قولُه: "ليسَ البرَّ الصيامُ في السَّفَرِ". مَعْناه: ليس البِرَّ كلّه في الصِّيامِ في السَّفَرِ؛ لأنّ الفِطْرَ في السفَرِ بِرٌّ أيضًا لِمَنْ شاء أن يأخذَ برُخصَةِ الله تعالى ذِكْرُه.

وأمّا قولُه: "ليس من البِرِّ". فهو كقَوْلِه: "ليس البِرَّ". و"مِن" قد تكونُ زائدةً؛ كقولِهم: ما جاءَني من أحَدٍ. أي: ما جاءَني أحَدٌ، واللّهُ أعلمُ.


= وأخرجه أحمد ٢٢/ ٣٠٢ (١٤٤١٠) وعبد بن حميد كما في المنتخب (١٠٧٩)، والنسائي في الكبرى (٢٥٧٠)، وابن خزيمة (٢٠١٧)، وابن حبان (٣٥٥٢) من طريق شعبة عن محمد بن عبد الرحمن، به، بلفظ: "ليس البِرُّ".
(١) الموطأ ٢/ ٥١٠ (٢٦٧٢).
(٢) الموطأ ٢/ ٥١١ (٢٦٧٣).
(٣) سيأتي تخريجه عند الكلام على حديث زيد بن أسلم المتقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>