للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمِن حُجَّةِ أبي ثورٍ أنَّ البائعَ مُقِرّ بزَوالِ مِلْكِه عن السلعة، مُصدِّقٌ للمشتري في زوالها عن ملكِه، وهو مُدَّع عليه من الثمنِ ما لا يُقِرُّ له به المشتري، ولا بيِّنةَ معه، فصار القولُ قولَ المشتري مع يمينِه على كلِّ حال.

وروى ابنُ سَماعة (١)، عن أبي يوسف، قال: قال أبو حنيفة: القياسُ في المتبايعَين إذا اختَلفا، فادَّعى البائعُ ألفًا وخمسَ مئةٍ، وادَّعى المشتري ألفًا، أن يكونَ القولُ قولَ المشتري، ولا يتحالَفان ولا يَترادَّان؛ لأنهما قد أجمَعا على مِلْكِ المشتري السلعةَ المبيعة، واختَلفا في ملكِ البائع على المشتري من الثمنِ ما لا يُقِرُّ به المشتري، فهما كرجُلَين ادَّعى أحدُهما على الآخرِ ألفَ درهم وخمسَ مئةِ درهم، وأقرَّ هو بألفِ درهم، فالقولُ قولُه، إلا أنّا ترَكْنا القياسَ للأثرِ في حالِ قيام السلعة، فإذا فاتَتِ السلعةُ عاد القياسُ.

قال أبو عُمر: هذا القياسُ الذي ذكَره أبو حنيفة، امتَثله كلُّ مَن ذهَب في هذا الباب مذهبَه من أصحابِه ومن المالكيِّين وغيرِهم.

قال أبو محمد بنُ أبي زيد: ظاهرُ قوله في الحديث: "أو يَترادَّان". الإشارةُ إلى ردِّ الأعيان، فإذا ذهَبت الأعيان، خرَج من ظاهرِ الحديث؛ لأنَّ ما فات بيدِ المبتاع لا سبيلَ إلى ردِّه، وصار المبتاعُ مُقِرًّا بثمنٍ يُدَّعَى عليه أكثرُ منه، فدخَل في باب الحديثِ الآخر: "البَيِّنةُ على المُدَّعي، واليمينُ على المُدَّعَى عليه" (٢).

قال أبو عُمر: من حُجَّةِ الشافعيِّ، وأشهَبَ، وعُبيدِ الله بنِ الحسن، ومَن ذهَب مذهبَهم في هذا الباب، وجعَل المتبايعَين إذا اختَلفا في الثمن يتحالَفان ويَترادَّان أبدًا، أنه يقول: إن البائعَ لم يُقِرَّ بخُروجِ السِّلعةِ عن مِلْكِه إلا بصفةِ ما لا يُصدِّقُه


(١) نقله عنه الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٣/ ١٢٧.
(٢) سلف تخريجه أثناء شرح الحديث الحادي والعشرين ليحيى بن سعيد، عن بُشير بن يسار.

<<  <  ج: ص:  >  >>