عليه المبتاع، وكذلك المشتري لم يُقِرَّ بانتقالِ المِلْكِ إليه إلا بصفةِ ما لا يُصدِّقُه عليه البائعُ، والأصلُ أن السلعةَ للبائع، فلا تخرُجُ من مِلْكِه إلا بيقين؛ من إقرارٍ أو بيِّنة، وإقرارُه مَنُوطٌ بصفةٍ لا سبيلَ إلى دفعِها؛ لعدم بيِّنةِ المشتري بدَعواه، فحصَل كلُّ واحدٍ منهما مُدَّع ومُدَّعًى عليه، وورَدتِ السُّنَّةُ بأن يبدأ البائعُ باليمين، وذلك، واللهُ أعلمُ؛ لأنَّ الأصلَ أن السِّلعةَ له، فلا يُعْطاها أحدٌ بدَعْواه، فإذا حلَف، خُيِّر المُبْتاعُ في أخْذِها بما حلَف البائعُ عليه إن شاء، وإلا حلَف أنه ما ابتاعَ إلا بما ذكَر، ثم يُفسخُ البيعُ بينَهما، وبهذا المعنى ورَدتِ السُّنَّةُ مُجمَلة، لم تَخُصَّ كونَ السلعةِ بيدِ واحدٍ دونَ آخر.
ومعلومٌ أنَّ التَّرادَّ إذا وجَب بالتحالُف، والسلعةُ حاضرةٌ، وجَب بعدَ هلاكِها؛ لأنَّ القيمةَ تقومُ مقامَها، كما تقومُ في كلِّ ما فاتَ مقامَه، ومَن ادَّعى في شيءٍ من ذلك خُصوصًا، فقد ادَّعى ما لا يقومُ من ظاهرِ الحديثِ ولا معناه.
قالوا: وليس اختلافُ المتبايعَين من باب: "البيِّنةُ على المُدَّعي، واليمينُ على مَن أنكر". في شيء؛ لأنَّ ذلك حُكمٌ ورَد به الشرعُ في مُدَّعٍ لا يُدَّعَى عليه، وفي مُدَّعًى عليه لا يَدَّعي، وورَد الشرعُ في المُدَّعي المُدَّعَى عليه، والمُدَّعَى عليه المُدَّعي بغيرِ ذلك، وكلٌّ أصلٌ في نفسِه يجبُ امتثالُه، ولكلِّ واحدٍ منهم حُجَجٌ يطولُ ذكرُها، ومدارُها على ما ذكَرنا.
وقال ابنُ القاسم (١): إذا اختَلف المتبايِعان في قلَّةِ الثمن وكثرتِه، والسلعةُ بيدِ المبتاع لم تَفُتْ ولم تتغيَّرْ في بَدَنٍ أو سُوق، أو لم يكنْ قبَضَها، أُحْلِف البائعُ أوّلًا، على ما ذكَر، أنه ما باعَها إلا بكذا، فإن حلَف، خُيِّر المبتاعُ في أخذِها بذلك، أو يحلِفُ ما ابتاع إلا بكذا ثم يَرُدُّ، إلا أن يرضَى قبلَ الفسخ أخْذَها بما قال البائع.