للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله: "فلا تختَلِفُوا عليه" دليلٌ على أنه لا يجوزُ أن يكونَ الإمامُ في صلاة، ويكونُ المأمومُ في غيرِها مثلَ أنْ يكونَ الإمامُ في ظُهْرٍ والمأمومُ في عَصْر، أو يكونَ الإمامُ في نافلةٍ والمأمومُ في فريضة، وهذا موضعٌ اختلفَ الفقهاءُ فيه:

فقال مالكٌ وأصحابُه: لا يجْزي أحدًا أن يُصلّي صلاةَ الفريضةِ خلْفَ المُتنفِّل، ولا يُصلّي عصْرًا خلْفَ مَنْ صلّى ظُهْرًا، وهو قولُ أبي حنيفةَ وأصحابه، والثوريِّ، وقولِ جمهورِ التابعينَ بالمدينةِ والكوفة (١). وحُجّتُهم: أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنّما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتَمَّ به" فمَنْ خالفَه في نيَّتِه فلمْ يأتمَّ به، وقال: "فلا تختلفُوا عليه" ولا اختلافَ أشدّ من اختلافِ النِّيات، إذْ هي رُكْنُ العمل.

ومعلومٌ أنّ مَنْ صلّى ظُهرًا خلْفَ مَنْ يُصلّي عصْرًا، أو صلّى فريضةً خلْفَ مَنْ يُصلّي نافلةً فلم يأْتمَّ بإمامِه وقد اختَلَف عليه، فبطَلَت صلاتُه؛ وصلاةُ الإمام جائزة، لأنه المتبوعُ لا التابعُ، واحتجُّوا من قصةِ مُعاذٍ بروايةِ عَمْرو بنِ يحيى، عن معاذِ بنِ رِفاعةَ الزُّرَقيِّ، عن رجلٍ من بني سَلِمة؛ أنَّه شكَا إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- تطْويلَ معاذٍ بهم، فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا مُعاذُ، لا تكُنْ فتّانًا، إمّا أن تُصلِّي معي، وإمّا أن تُخفِّفَ عن قومِكَ" (٢).


(١) ينظر: الأمّ للشافعيّ ١/ ٢٠١، وبداية المجتهد لابن رشد ١/ ١٢٨.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٣٤/ ٣٠٧ (٢٠٦٩٩)، والبخاري في التاريخ الكبير ٣/ ١١٠ (٣٧٣)، والطحاوي في أحكام القرآن (٣٩٤)، وفي شرح معاني الآثار ١/ ٤٠٩ (٢٣٦١) و (٢٣٦٢)، وأبو القاسم البغويّ في معجم الصحابة ٣/ ١٧٨ (١٠٩٧)، والطبراني في الكبير ٧/ ٦٧ (٦٣٩١)، والخطيب البغدادي في الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة ٢/ ١١٧، وابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة ١/ ٣١٨، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ لانقطاعه، معاذ بن رفاعة الزُّرقيّ لم يسمع هذا الحديث من الرجل المذكور أنه من بني سَلمة، واسمُه سُليم كما في المصادر، والتي فيها أنه استُشهد بأُحد، ومعاذُ بن رفاعة الزُّرقي تابعيٌّ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>