للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا صلّى جالسًا فصلُّوا جُلوسًا" فعرفْنا أفعالَه التي يُؤتمُّ به فيها، وهي الظاهرةُ إلينا من رُكُوعِه وسُجودِه وتكْبيرِه وقيامِه وقُعودِه، ففي هذه أُمِرْنا أن لا نختلفَ عليه.

قالوا: والدّليلُ على صِحّةِ هذا التأويل: حديثُ جابرٍ في قصّة مُعاذٍ إذ كان يُصلّي مع رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- العشاءَ، ثم ينْصرِفُ فيؤمُّ قومَه في تلك الصلاة، هي له نافلةٌ ولهم فريضةٌ، وهو حديثٌ ثابتٌ صحيحٌ لا يُختلَفُ في صِحّتِه (١).

قالوا: ولا يَصِحُّ أن يَجْعلَ معاذٌ صلاتَه معَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- نافلةً ويزهَدَ في فَضْلِ الفَرِيضةِ معَه -صلى الله عليه وسلم- ويدلُّكَ على ذلك قولُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أُقِيمَتِ الصّلاةُ فلا صلاةَ إلّا المكتوبةُ" (٢) وهذا مانعٌ لكلِّ أحدٍ أن تُقامَ صلاةُ فريضةٍ لم يُصلِّها فيَشتَغِلَ بنافلةٍ عنها.

وقد روَى ابنُ جُرَيج، عن عَمْرِو بنِ دينار، عن جابر؛ أنَّ مُعاذًا كان يُصلِّي مع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- العِشاءَ الآخِرَة ثمّ ينْصرِفُ إلى قومِه فيُصلِّي معَهم، هي له تطوُّعٌ ولهم فريضة (٣).


(١) سلف تخريجه في التعليق قبل السابق.
(٢) سلف تخريجه من وجوه عديدة عن أبي هريرة رضي الله عنه في أثناء شرح الحديث الثاني لشريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٣) أخرجه الشافعيُّ في الأمّ ١/ ٢٠٠، وعبد الرزاق في المصنَّف ٢/ ٨ (٢٢٦٦)، والطحاوي في أحكام القرآن (٣٨٨)، وفي شرح معاني الآثار ١/ ٤٠٩ (٢٣٦٠)، والدارقطني في سننه ٢/ ١٣ (١٠٧٥)، والبيهقي في الكبرى ٣/ ٨٦ (٥٣٠٨)، ورجال إسناده ثقات، وقد صرّح ابن جُريج -وهو عبد الملك بن عبد العزيز- بسماعه من عمرو بن دينار عند عبد الرزاق، فانتفت شبهة تدليسه.
وهو عند أحمد في المسند ٢٢/ ٢٠٩ - ٢١٠ (١٤٣٠٧)، والبخاري (٦١٠٦)، ومسلم (٤٦٥) (١٧٨ - ١٨١) من طرق عن عمرو بن دينار، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>