للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أنْشَأتْ بَحْرِيّةً، ثم استَحالَت شامِيّةً؛ فهو أمطَرُ لها". وابنُ أبي يحيى مطعونٌ عليه متروكٌ، وإن كان فيه نُبْلٌ ويَقَظةٌ، اتُّهم بالقَدَرِ والرَّفْض، وبلاغُ مالكٍ خيرٌ من حديثِه، واللهُ أعلم.

وأما قولُه: "إذا أنْشَأتْ (١) بَحْرِيّة". فمعناه إذا ظهَرت سَحابةٌ من ناحيةِ البحرِ وارتفَعت، يقال: أنشَأ فلانٌ يقول كذا: إذا ابتَدأ قولَه وأظهَره بعدَ سُكُوت.

وكذلك قولهم: أنشَأ فلانٌ حائطَ نخل أو بئرًا أو كَرْمًا. أي: عمِل ذلك وأظهَره للناس. وكلُّ ما بدا من الأعمالِ وظهَر فقد أنشَأ؛ ومنه قولُ الله عزَّ وجلَّ: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن: ٢٤]. أي: السفنُ الظاهراتُ في البحرِ كالجبالِ الظاهرةِ في الأرض، وإنما سمَّى السحابةَ بَحْرِيّة؛ لظهورِها من ناحيةِ البحر، يقول: إذا طلَعت سحابةٌ من ناحيةِ البحر؛ وناحيةُ البحرِ بالمدينةِ الغربُ.


= قلنا: هو الواقديُّ بعينه، كما وقع مسمًّى عند الطبراني في الأوسط ٧/ ٣٧١ (٧٧٥٧)، فقد أخرج هذا الحديث بإسناده من طريقه بالإسناد المذكور عند ابن أبي الدُّنيا، وكذا أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة، ص ٤٧ - ٤٨، ولكن قال: "محمد بن عمر"، ولفظه عندهما كلفظ رواية مالك، وهذا مما يُستدرك على ابن الصلاح وعلى مَن استدرك هو عليهما، رحمهم الله جميعًا، والله الهادي للصواب.
ورواية ابن أبي الدُّنيا التي أشار إليها ابن الصلاح هي في المطر والرعد والبرق (٤٢).
(١) قال ابن الصلاح في وصل بلاغات مالك: "نشأت، رويناه من غير همزة في أوّله، وكذا حكاه الأزهريُّ، وهو الذي ذكره الهرويُّ وغيرُهما في هذا الفعل؛ من: نشأت السحابة. يقال: نشأت السحابةُ نشأً: إذا ابتدأت وارتفعت. والروايةُ الفاشية المشهورة فيه: أنشأت بحرية؛ بالهمزة في أوّله. وقد قيل: إنّ أهل اللغة على إنكارها، والصواب عندهم نشأت بغير همزة في أوّله. وإنما يقال: أنشأ فلانٌ يفعل كذا، ويقول كذا، أو: أنشأت السحابةُ تُمطر. وقطع القاضي أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي فيما وجدْناهُ عنه بأنه بالهمزة في أوّله، هو المنقول بغير خلاف، وأنه قد صحّحه أهل اللسان، والله أعلم". وينظر: تهذيب اللغة للأزهري ٣/ ١٣٢، ومشارق الأنوار للقاضي عياض ٢/ ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>