للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسَّلَف: إنه إذا طاعَ الذي اشتَرط السلفَ بتَرْكِ سَلَفِه فلم يَقْبِضْه، جاز البيعُ.

هذا قولُه في "موطئه" (١). وتحصيلُ مذْهَبِه عندَ أصحابِه أن البائعَ إذا أسلَف المشتريَ مع السلعةِ ذهبًا أو وَرِقًا مُعجَّلًا وأدرَك ذلك فُسِخَ، وإن فاتَت رَدَّ المشتري السلعة، ورجَع عليه بقيمةِ سلعتِه يومَ قبَضها، ما بينَها وبينَ ما باعَها به فأدنَى من ذلك، فإن زادَت قيمتُها على الثمنِ الذي باعَها به، لم يَرُدَّ عليه شيئًا؛ لأنه قد رضيَ به على أن أسلَف معه سلفًا.

ولو أن المشتريَ كان هو الذي أسلَف البائع، فُسِخ البيعُ أيضًا بينَهما، ورجَع البائعُ بقيمةِ سلعتِه بالغًا ما بلَغت، إلا أن تَنقُصَ قيمتُها من الثَّمن، فلا يَنقُصُ المشتري من الثمن؛ لأنه قد رضيَ به على أن أسلَف معه سلفًا.

وقال محمدُ بنُ مَسْلَمة: مَن باع عبدًا بمئةِ دينار، وشرَط أنه يُسْلِفُه سَلَفًا، فإنَّ البيعَ مفسوخٌ، إلا أن يقولَ المشتري: لا حاجةَ لي بالسلف. قبلَ أن يقبضَه، فيجوزُ البيعُ.

وقال محمدُ بنُ عبدِ الله بنِ عبدِ الحكم: لا يجوزُ البيعُ وإن رضيَ مُشترِطُ السَّلَفِ بتَركِ السلف. وهو قولُ الشافعيِّ وجمهورِ العلماء؛ لأنَّ البيعَ وقَع فاسدًا، فلا يجوزُ وإن أُجيز.

وقال الأبْهريُّ: قد روَى بعضُ المدنيِّين عن مالك، أنه لا يجوزُ وإن ترَك السلفُ. قال: وهو القياسُ أن يكونَ عقدُ البيع فاسدًا في اشتراطِ السلف، كالبيع في الخمرِ والخنزير؛ لأنَّ البيعَ قد وقَع فاسدًا في عَقدِه، فلا بُدَّ من فَسْخِه، إلا أن يفوتَ فيُرَدَّ السَّلَفُ ويُصْلَحَ بالقيمة (٢).


(١) ٢/ ١٨٧ (١٩٢١).
(٢) ينظر: البيان والتحصيل لابن رشد ٧/ ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>