للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سأل محمدُ بنُ أحمدَ بنِ سَهْل البركانيُّ إسماعيلَ بنَ إسحاقَ القاضي عن الفرقِ بين البيع والسلف، وبينَ رجلٍ باعَ غلامًا بمئةِ دينارٍ وزِقِّ خمرٍ أو شيءٍ حرام، ثم قال: أنا أدَعُ الزِّقَّ أو الشيءَ الحرامَ قبلَ أن يأخُذَه، وهذا البيعُ مفسوخٌ عندَ مالكٍ غيرُ جائز؟ فقال إسماعيل: الفرقُ بينَهما أن مُشترِطَ السلفِ هو مُخيَّرٌ في أخذِه أو ترْكِه، وليس مسألتُك كذلك، ولو قال: أبيعُك غلامي بمئةِ دينارٍ على أنّي إنْ شِئتُ أن تَزيدَني زِقَّ خمرٍ زِدْتَني، وإنْ شئتُ تَركتُه. ثم ترَك زِقَّ الخمر، جاز البيعُ، ولو أخَذه فُسِخ البيعُ بينَهما، فهذا مثلُ مسألةِ البيع والسَّلَف. هذا معنى كلام إسماعيل.

وكان سُحْنُونٌ يقول: إنما يصِحُّ البيعُ في ذلك إذا لم يَقبِضِ السلفَ وترَك، وأما إذا قبَض السلفَ فقد تمَّ الرِّبا بينَهما، والبيعُ حينئذٍ حرامٌ مفسوخٌ على كلِّ حال (١).

وقال يحيى بنُ عُمر: سُحنونٌ أصلَحه بـ "تَرَك السَّلفَ"، وإنما كان "يَرُدُّ السَّلَفَ". وقال الفضلُ بنُ سَلَمة: وكذلك قرَأناه على يحيى بنِ عُمرَ "إذا رَدَّ السلفَ".

قال أبو عُمر: ما حكَاه الفضلُ بنُ سَلَمةَ فيُشبِهُ أن يكونَ في غير "الموطّأ"، وأما لفظُ "الموطّأ" (٢) من روايةِ القَعْنبيِّ، وابنِ القاسم، وابنِ بُكير، وابنِ وَهْب، ويحيى بن يحيى، فإنما هو: قال مالك: فإن ترَك السلفَ جاز البيع. و"ترَك" غيرُ "رَدَّ"؛ لأنَّ الرَّدَّ لا يكونُ إلا بعدَ القبض، وإذا قبَض السَّلَفَ، فهو كما قال سُحْنُونٌ، وإن كان من أصلِ مالكٍ إجازةُ بيوع وقَعتْ فاسدةً ثم أدرَكها الإصلاحُ، كبيع الغاصبِ يُخبرِهُ بعدَ العقدِ مالكُه، ونحوِ هذا، وكذلك نكاحُ العبدِ عندَه موقوفٌ على إجازةِ سيِّدِه.


(١) ينظر: المدوّنة ٣/ ٨٧، والبيان والتحصيل ٧/ ١٩٨.
(٢) الموطّأ ٢/ ١٨٧ (١٩٢١)، وبرواية أبي مصعب ٢/ ٣٦٤ (٢٦٢٥) بلفظ: "فإن تَرَك الذي اشترطَ السّلَفَ، ما اشتَرط منه، كان ذلك البيعُ جائزًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>