للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يرُدَّهُما جميعًا، ولا بيعَ بينهما، فذلك جائزٌ وليس من باب بيْعتَين في بيعة. ومن ذلك أن يبتاعَ الرجلُ من آخرَ سلعةً بعشرةٍ نقْدًا، أو بخمسةَ عشَرَ إلى أجَلٍ قد وجَبَتْ للمُشتري بأحَدِ الثمَنين وافتَرقا على ذلك. وهكذا فسّرَه مالكٌ وغيرُه. وقال مالك: هذا لا ينْبغي لأنه إن أخّرَ العشَرةَ كانت خمسةَ عشَرَ إلى أجَل، وإن نقَدَ العشَرةَ كان كأنّه اشترى بها الخمسةَ عشَرَ إلى أجَل.

قال مالكٌ (١): وكذلكَ إذا باعَ رجلٌ سلعةً بدينارٍ نقدًا، أو بشاةٍ موصوفةٍ إلى أجَلٍ قد وَجَبَ البيعُ عليه بأحدِ الثَّمنَين، ذلك مكروهٌ، لا ينبغي؛ لأنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- نهَى عن بيعتَين في بيعة، وهذا من بيعتَين في بيعة.

قال مالكٌ (٢): ومن ذلك أيضًا أن يشتريَ منه العجوةَ خمسةَ عشرَ صاعًا بدينار، والصَّيحانيَّ (٣) عشرةَ أصْوُع، قد وجَبت إحداهما، فهذا من المخاطرة.

ويُفسخُ عندَ مالكٍ هذا البيعُ أبدًا، فإن فاتَ المَبيعُ ضمِنَ المبتاعُ قيمتَه يومَ قبْضِه لا يومَ البيع، بالغًا ما بلَغ، إلا أن يكونَ مكيلًا غيرَ رطب، فيرُدَّ مكيلتَه، وإن قبَض السلعتَين وفاتَتا، رُدَّا جميعًا إلى القيمةِ يومَ قبضَهُما المشتري بالغًا ما بلَغت، وأما إذا كان ما قدَّمنا ذِكْرَه في السلعتَينِ على وجْهِ المُساومةِ من غيرِ إيجاب، أو كان البيعُ على أن المشتريَ بالخيار فيهما جميعًا؛ بينَ أن يأخُذَ أيَّتَهما شاء، وبينَ أن يرُدَّهما جميعًا ولا بيعَ بينهما، فلا بأسَ بذلك؛ لأنَّ المشتريَ بالخيارِ في أيِّ الثَّمنَين شاء، وبالخيارِ أيضًا في الأخذِ أو التَّرك.


(١) الموطّأ ٢/ ١٩٣ (١٩٣٩).
(٢) الموطّأ ٢/ ١٩٣ (١٩٤٠).
(٣) الصّيْحانيّ: نوعٌ من التَّمر أسود، صُلْب الممْضغة، شديد الحلاوة. ينظر: تهذيب اللغة للأزهريّ ٥/ ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>