للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشافعيُّ: هما وجهان؛ أحدُهما، أن يقول: قد بعْتُك هذا العبدَ بألفِ دينارٍ نقدًا. أو: بألفَين إلى سنة. قد وجَب لك البيعُ بأيِّهما شئتُ أنا أو شئتَ أنت.

فهذا بيعٌ الثمنُ فيه مجهولٌ. والثاني، أن يقول: قد بعْتُك عبدي هذا بألفٍ على أن تبيعَني دارَك بألف، إذا وجَب لك عبدي وجَبت دارُك لي؛ لأنَّ ما نقَص كلُّ واحدٍ منهما مما باع ازداده فيما اشتراه، فالبيعُ في هذا كلِّه مفسوخٌ، فإن فات ففيه القيمةُ حينَ قُبِض (١).

ومثلُ هذا عندَ الشافعيِّ أن يبيعَه سلعةً بكذا على أن يبيعَه بالثمن كذا؛ كرجل قال لآخر: أبيعُك ثوبي هذا بعشَرةِ دنانيرَ على أن تبيعَني بالعشَرةِ دنانيرَ دابةَ كذا، أو سلعةَ كذا، أو مثاقيلَ عددَ كذا. هذا كلَّه من بابِ بيعتَين في بيعةٍ عندَ الشافعيِّ وجماعة. قال (٢): ومن هذا البابِ نهيُه -صلى الله عليه وسلم- عن بيع وسلف؛ لأنَّ من سُنَّتِه أن تكونَ الأثمانُ معلومة، والمبيعُ معلومًا، وإذا انعقَد البيعُ على السَّلفِ والمنفعةُ بالسَّلفِ مجهولةٌ، صار الثمنُ غيرَ معلوم.

قال أبو عُمر: كلٌّ يخرِّجُ الحديثَ على أصلِه، ومن أصلِ مالكٍ مراعاةُ الذَّرائع، ومن أصلِ الشافعيِّ ترْكُ مُراعاتِها، وللكلام في ذلك موضعٌ غيرُ هذا، واللهُ الموفِّقُ للصواب.

ولم يختلِفْ قولُ مالكٍ وأصحابِه، فيما علِمتُ من مشهورِ مذْهَبهم، فيمَن باعَ سلعتَه بدراهمَ على أن يأخُذَ بالدراهم دنانير، وكان ذلك في عقدِ الصَّفقة، أنَّ ذلك جائزٌ، وأنَّ البيعَ إنما وقَع بالدنانير لا بالدراهم، وليس ذلك عندَهم من


(١) نقله عن الشافعي بنحو هذا السياق محمد بن جرير الطبري في اختلاف الفقهاء، ص ٥٥ - ٥٦. وينظر: الأمّ ٤/ ٢٣ - ٢٤.
(٢) في الأمّ ٤/ ٢٤ - ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>