للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن قتادةَ، عن الحَسَنِ، عن عِمْرانَ بن حُصيْنٍ، أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أرْكَبُ الأُرْجُوَانَ، ولا ألْبَسُ المُعَصفَرَ، ولا ألْبَسُ القَمِيصَ المُكَفَّفَ بالحَرِيرِ". قال: وأوْمَأ الحسنُ إلى جَيْبِ قَمِيصِه. قال: وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"ألا وطِيبُ الرِّجالِ رِيحٌ لا لَوْنَ له، ألا وطِيبُ النساءِ لَوْنٌ لا رِيحَ له". قال سعيدٌ: أُرَاه قال: إنّما حمَلُوا قولَه في طِيبِ النساءِ على أنَّها إذا أرادَتْ أنْ تخْرُجَ، فأمّا إذا كانت عندَ زوجِها، فلْتَطيَّبْ بما شاءَتْ.

قال أبو عُمر: احْتَجَّ بحديثِ عِمْرانَ بن حُصيْنٍ هذا مَن كَرِهَ الخَلُوقَ للرِّجَالِ؛ لأنَّ لوْنَه ظاهِرٌ.

فهذا ما بَلَغَنا في الخَلُوقِ للرِّجَالِ من الآثارِ المَرْفُوعةِ. وقد ذكَرْنا مذاهِبَ الفقهاءِ في ذلك.

وأمّا المُعَصفَرُ المُفَدَّمُ المُشْبَعُ وغيرُه، فسيَأْتي ذكرُه وما للعلماءِ فيه من الرِّوايَةِ والذاهِب، في بابِ نافِع من هذا الكتابِ إنْ شاءَ اللهُ، عندَ نَهْيِه - صلى الله عليه وسلم - عن تَخَتُّمِ الذَّهَب، ولُبْسِ القَسِّيِّ (١)، ولُبْسِ المُعَصْفَرِ، وقراءةِ القرآنِ في الرُّكُوع.

وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنّ مَن فعَلَ ما يجوزُ له فِعْلُه دونَ أنْ يُشاوِرَ السُّلْطانَ، خليفةً كان أو غيرَه، فلا حرجَ، ولا تَثْرِيبَ عليه، ألَا تَرَى أنّ عبدَ الرحمنِ بن عوفٍ تزَوَّجَ ولم يُشاوِرْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أعْلَمَه بذلكَ، ولم يكنْ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إليه إنكارٌ ولا عتابٌ؟ وكان على خُلُقٍ عظيمٍ من الحِلْمِ والتَّجاوُزِ - صلى الله عليه وسلم -.

وأمّا قولُه حينَ أخْبَرَه أنّه تزَوَّجَ: "كم سُقْتَ إليها؟ " قال: زِنَةَ نواةٍ من ذَهَبِ. فالنَّوَاةُ فيما قال أهلُ العلم: اسْمٌ لحَدِّ من الأوْزَانِ؛ وهو خَمْسَةُ دراهمَ، كما أَنّ الأُوقِيَّةَ أرْبَعُونَ درهمًا، والنَّشُّ عشرونَ درهمًا، ولا أعْلَمُ في شيءٍ من ذلك كلِّه


(١) هي ثياب من كتاب مخلوط بحرير يواتى بها من مصر، نسبت إلى قرية على شاطئ البحر قريبًا من تنّيس يقال لها: القس، بفتح القاف، وبعض أهل الحديث يكسرها. النهاية ٤/ ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>