للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خِلافًا إلّا في النَّواةِ، فالأكْثَرُ أنّها خَمْسَةُ دراهمِ. وقال أحمدُ بن حَنْبَل: وَزْنُ النَّوَاةِ ثلاثةُ دراهمَ وثُلُثٌ. وقال إسحاقُ: بل وَزْنُها خمْسَةُ دَرَاهِمَ (١).

وقد قيل: إنّ النَّوَاةَ المذكورةَ في هذا الحديثِ نَوَاةُ التَّمْرَةِ، وأرادَ وَزْنَها. وهذا عندِي لا وَجْهَ له؛ لأنّ وَزْنَها مَجْهُولٌ، وأجْمَعُوا أنّ الصداقَ لا يكونُ إلّا معلومًا؛ لأنه من بابِ المُعَاوَضاتِ. وقال بعضُ المالكيين: زِنَةُ النَّوَاةِ بالمدينةِ رُبُعُ دينارٍ، واحْتَجَّ بحديثٍ يُرْوَى عن الحَجَّاجِ بن أرْطاةَ، عن قتادةَ، عن أنَسٍ، أنّ عبدَ الرحمن بن عَوْفٍ تزَوَّجَ امرأةً من الأنصارِ، وأصْدَقَها زِنَةَ نواةٍ من ذَهَبٍ قُوِّمَتْ ثلاثَةَ دراهمَ وربعًا (٢). وهذا حديثٌ لا تقومُ به حُجَّةٌ لضَعْفِ إسنادِه.

وأجْمَعَ العلماءُ على أنّه لا تَحْدِيدَ في أكْثَرِ الصداقِ؛ لقولِ الله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: ٢٠].

واخْتَلَفُوا في أقلِّ الصداقِ؛ فقال مالك: لا يكونُ الصَّداقُ أقَلَّ من ربعِ دينارٍ ذهبًا، أو ثلاثةِ دراهمَ كَيْلًا (٣). واعْتَلَّ بعضُ أصحابِنا لذلك بأنّها أقَلُّ ما بَلَغَه في الصداقِ، فلم يتَعَدَّه، وجعَلَه حدًّا إذا لم يكنْ فيه بُدٌ من الحَدِّ؛ لأنَّه لو تُرِكَ الناسُ وقليلَ الصداقِ كما تُرِكُوا وكثيرَه، لكان الفَلْسُ والدَّانِقُ ثَمَنًا للبُضْع، وهذا لا يَصلُحُ؛ لأنّه لا يُسَمَّى طَوْلًا ولا يُشْبِهُ الطَّوْلَ، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء:٢٥] ولو كان الطَّوْلُ فَلْسًا ونحوَه لكان كلُّ أحَدٍ مستطيعًا له، وفي الآيَةِ دليلٌ على مَنع استباحةِ الفُرُوجِ باليَسِيرِ، ثم جاءَ حديثُ عبدِ الرحمنِ بن عَوفٍ في وَزْنِ النَّوَاةِ، فجعَلَه حَدًّا لا يُتَجاوَزُ؛ لما يَعْضُدُه من القياسِ؛ لأنّ الفُروجَ لا تُسْتَباحُ بغيرِ بَدَلٍ، ولم يكنْ بُدٌّ من


(١) ذكره الترمذي في جامعه عقب حديث (١٠٩٤) و (١٩٣٣).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (١٦٦٢٣) و (٣٧٣٢٢)، والبزار (٧٢٨٣) بلفظ "قومت ثلاثة دراهم وثلثًا"، أما لفظ المصنف فلم نقف عليه، وينظر: فتح الباري ٩/ ٢٣٤.
(٣) التهذيب في اختصار المدونة ٢/ ١٨٩، والكافي في فقه أهل المدينة ٢/ ٥٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>