للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصَّداقِ المُقَدَّرِ، كالنَّفْسِ التي لا تُسْتَباحُ بغيرِ بَدَلٍ، فقُدِّرَتْ دِيَتُها، وكان أشْبَهُ الأشْياءِ بذلك قَطْعَ اليَدِ؛ لأنّ البُضْمعَ عُضْوٌ واليَدَ عُضْوٌ يُسْتَباحُ بمُقَدَّرٍ من المالِ؛ وذلك ربعُ دينارٍ، فرَدَّ مالِكٌ البُضْعَ قِياسًا على اليَدِ، وقال: لا يجوزُ صَداقٌ أقَلُّ من ربعِ دينارٍ؛ لأنّ اليَدَ لا تُقْطَعُ عندَه من السَّارِقِ في أقَلَّ من ربع دينار.

قال أبو عُمر: قد تقَدَّمَه إلى هذا أبو حنيفةَ، فقاسَ الصَّداقَ على قَطْعِ اليَدِ، واليَدُ عندَه لا تُقْطَعُ إلّا في دينارٍ ذَهَبًا أو عَشَرَةِ دراهمَ كَيْلًا. ولا صَداقَ عندَه أقَلُّ من ذلك (١)، وعلى ذلك جماعَةُ أصحابِه، وأهلُ مذهبِه، وهو قولُ أكثرِ أهلِ بَلَدِه في قَطْع اليَدِ، لا في أقَلِّ الصَّداقِ.

وقد قال الدَّرَاوَرْدِيُّ لمالكٍ رحمه اللهُ، إذْ قال: لا صداقَ أقَلُّ من ربعِ دينارٍ: تعَرَّقْتَ فيها يا أبا عبدِ الله (٢). أي: سلَكْتَ فيها سبيلَ أهلِ العراقِ.

وقال جمهورُ أهلِ العلمِ من أهلِ المدينةِ وغيرِهم: لا حَدَّ في قَليلِ الصداقِ كما لا حَدَّ في كثيره (٣). وممَّنْ قال ذلك؛ سعيدُ بن المسَيِّبِ، والقاسمُ بن محمدٍ، وسُليمانُ بن يَسَارٍ، ويحيى بن سعيدٍ الأنصاريُّ، وربيعةُ، وأبو الزِّنَادِ، ويزيدُ بن قُسَيْطٍ، وابنُ أبي ذِئْب. وهؤلاءِ أئمَّةُ أهلِ المدينةِ.

قال سعيدُ بن المسَيِّب: لو أصْدَقَها سَوْطًا حَلَّتْ (٤)، وأنْكَحَ ابْنَتَه من عبدِ الله بن وَداعَةَ بدرهَمين (٥).

وقال رَبِيعَةُ (٦): يجوزُ النِّكاحُ بصداقِ دِرْهَم. وقال أبو الزِّنَادِ: ما ترَاضَى به الأهْلُون.


(١) المبسوط للسرخسي ٥/ ٨١، وتبيين الحقائق للزيلعي ٢/ ١٣٧.
(٢) التوضيح في شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب، لخليل ٤/ ١٥٤.
(٣) ينظر: مناهج التحصيل، للرجراجي ٣/ ٤٥٣، وإرشاد السالك، لابن عسكر البغدادي، ص ٦٢.
(٤) إلى هنا أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ٦/ ١٧٨ (١٠٤١٤)، وابن أبي شيبة في مصنفه (١٦٦٢٢).
(٥) أخرجه أبو نعيم في الحلية ٢/ ١٦٧.
(٦) مختصر المزني ٨/ ٢٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>