للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابن وَضَّاحٍ، قال: سمِعتُ أبا بكرٍ بن أبي شَيْبَةَ يقولُ (١): كان وَكِيعُ بن الجَرَّاحِ يَرَى التَّزوِيجَ بدرهم. قال ابن وَضَّاح: وكان ابن وَهْبٍ يَرَى التَّزْوِيجَ بدرهم.

ورُويَ في هذا البابِ عن سعيدِ بن جُبيرٍ وإبراهيمَ اضْطِرابٌ؛ منهم مَن قال: أربعون درهمًا أقَلُّ الصَّداقِ، ومنهم مَن قال: خمسون درهمًا. وهذه الأقاويلُ لا دليلَ عليها من كتابٍ ولا سُنّةٍ ولا اتّفاقٍ، وما خَرَجَ من هذه الأصولِ ومعانِيها فليس بعلم، وبالله التوفيقُ.

وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنّ الوليمةَ من السُّنَّةِ؛ لقولِه - صلى الله عليه وسلم -: "أوْلِمْ ولو بشاةٍ".

وقد اخْتَلَف أهلُ العلمِ في وُجُوبِها؛ فذَهَب فقهاءُ الأمصارِ إلى أنّها سُنَّةٌ مسنونةٌ وليست بواجبةٍ (٢)؛ لقولِه: "أوْلِمْ ولو بشاةٍ". ولو كانت واجبةً لكانت مُقَدَّرَةً معلومًا مبلغُها، كسائرِ ما أوْصط اللهُ ورسولُه من الطَّعام في الكَفَّاراتِ وغيرِها. قالوا: فلمَّا لم يكنْ مُقَدَّرًا خرَجَ من حَدِّ الوُجُوبِ إلى حَدِّ النَّدْبِ، وأشْبَهَ الطَّعامَ لحادِثِ السُّرورِ، كطعامِ الخِتَانِ والقُدُومِ من السَّفَرِ، وما صُنِعَ شُكْرًا لله عزَّ وجلَّ.

وقال أهلُ الظاهرِ (٣): الوليمةُ واجبةٌ فَرْضًا؛ لأنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ بها، وفَعَلَها، وأوْعَدَ مَن تخَلَّفَ عنها. وقد أوْضَحْنَا هذا المَعْنَى في باب ابن شِهَابٍ، عندَ قولِه - صلى الله عليه وسلم -: "شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوليمةِ؛ يُدْعَى لها الأغنياءُ، ويُتْرَكُ المساكينُ، ومَن لم يَأْتِ الدَّعْوَةَ فقد عَمىَ اللهَ ورسولَه" (٤)، والحمدُ لله (٥).


(١) المصنف (١٦٦١٩).
(٢) ينظر: اللباب لابن المحاملي ١/ ٣٢١، ومغني المحتاج ٣/ ٢٤١، والمغني لابن قدامة ٧/ ٢٧٥.
(٣) المحلى، مسألة (١٨١٩) و (١٨٢٠).
(٤) الموطأ (١٥٧٣)، وهو في الصحيحين: البخاري (٥١٧٧)، ومسلم (١٤٣٢).
(٥) جاء في حاشية الأصل: "بلغت المقابلة بحمد الله وحسن عونه".

<<  <  ج: ص:  >  >>