للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "أزْهَتْ"، و"احمَرَّت"، و"بَدَا صَلَاحُها" ألفاظٌ مختلفةٌ ورَدَت في الأحاديثِ الثابتةِ، معانيها كلُّها مُتَّفِقَةٌ، وذلك إذا بَدا طِيبُها ونُضْجُها، وكذلك سائرُ الثِّمارِ إذا بَدا صَلاحُ الجِنْسِ منها، وطاب ما يُؤْكَلُ منها الطِّيبَ المعهودَ (١) في التِّينِ والعِنَبِ وسائرِ الثِّمارِ، جاز بيعُها على التَّركِ في شَجَرِها حتى يَنْقَضِيَ أوانُها بطِيبِ جميعِها.

ولا يجوزُ بيعُ شيءٍ من الثِّمارِ ولا الزَّرع قبلَ بُدُوِّ صَلاحِه (٢) إلّا على القَطعِ. وقد اختلَف الفقهاءُ قديمًا وحديثًا في ذلك، وقد أرجَأْنَا القولَ فيه إلى بابِ نافعٍ، فهناك تَرَاه إن شاء اللهُ.

وأمّا قولُه - صلى الله عليه وسلم - "أرأيتَ إن مَنَع اللهُ الثمرةَ، ففيم يأخُذُ أحدُكم مالَ أخيه؟ ". فيزعُمُ قومٌ أنّه من قولِ أنسِ بن مالكٍ، وهذا باطلٌ بما رواه مالك وغيرُه (٣) من الحُفّاظِ في هذا الحديثِ؛ إذ جعَلوه مرفوعًا من قولِ النبيِّ (٤) - صلى الله عليه وسلم -، وقد روَى أبو الزُّبيرِ، عن جابرٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مثلَه.

وتنازَع العُلماءُ في تأويلِ هذا الحديثِ؛ فقال قومٌ: فيه دليلٌ على إبطالِ قولِ مَن قال بوضعِ الجوائح؛ لأنّ نهيَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمرَةِ قبلَ بُدُوِّ صلاحِها، وقولُه مع ذلك: "أرأيتَ إن مَنَعَ اللهُ الثمرةَ؟ "، أي: إذا بعتُم الثمرةَ قبلَ بُدُوِّ طِيبِها (٥)، ومنَعَها اللهُ، كنتُم قد ركِبتُم الغَرَرَ، وأخذتُم مالَ المبتَاعِ بالباطلِ؛


(١) في ف ١: "المعتاد".
(٢) في ف ١: "صلاح أوله".
(٣) في ف ١: "في حديثه هذا وتابعه جماعة".
(٤) رجح الوقف على الرفع أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان كما في الجرح والتعديل ١/ ٣٧٧، والدارقطني في علله ١٢/ ٦٠ - ٦١.
(٥) في ف ١: "صلاحها".

<<  <  ج: ص:  >  >>