للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنّ الأغلَبَ في الثِّمارِ أن تَلحَقَها الجوائحُ قبلَ ظهورِ الطِّيبِ فيها، فإذا طابَت، أو طابَ أوَّلُها، أُمِنت عليها العاهَةُ في الأغلبِ، وجاز بَيعُها؛ لأنّ الأغلبَ من أمرِها السلامةُ، فإن لَحِقَتْها جائحَةٌ حينئذٍ لم يكنْ لها حكمٌ، وكانت كالدارِ تُباعُ فتَنهَدِمُ بعدَ البيعِ قبلَ أن يَنتفِعَ المبتاعُ بشيءٍ منها، أو الحيوانِ يُباعُ فيموتُ بأثرِ قَبضِ مبُتاعِه له، أو سائرِ العُرُوضِ؛ لأنّ الأغلبَ من هذا كلِّه السلامةُ، فما خرَجَ من ذلك نادرًا لم يُلتفَتْ إليه، ولم يُعرَّجْ عليه، وكانتِ المصيبةُ من مُبتاعِه. وكذلك الثمرةُ إذا بِيعَت بعدَ بُدُوِّ صلاحِها، لم يُلتفَتْ إلى ما لَحِقَها من الجوائحِ؛ لأنّهم قد سَلِموا من عُظْمِ الغَرَرِ، ولا يكادُ شيءٌ من البُيُوعِ يَسلَمُ من قَليلِ الغَرَرِ، فكان معفُوًّا عنه. قالوا: فإذا بِيعَتِ الثمرةُ في وقتٍ يحلُّ بَيعُها، ثم لَحِقَتها جائحةٌ، كان ذلك كما لو جُدَّت (١) فتَلِفَتْ، كانت مُصيبتُها من المبتاع؛ واحتَجُّوا بحديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهَى عن بَيعِ الثِّمارِ حتى يَبدُوَ صلاحُها. قيل له: وما بُدُوُّ صَلاحِها يا رسولَ الله؟ فقال: "إذا بَدَا صلاحُها ذهَبَت عاهتُها"، وبحديثِ مالكٍ، عن أبي الرِّجَالِ، عن أُمِّه عَمْرةَ بنتِ عبدِ الرحمنِ، أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهَى عن بيعِ الثِّمارِ حتى تَنْجُوَ من العَاهَةِ" (٢).

وهذا معنَى قولِ ابن شِهَابٍ؛ ذكَرَ الليثُ بن سعدٍ، عن يُونُسَ، عن ابن شهابِ، قال: لو أنّ رجلًا ابتَاعَ ثمرًا قبلَ أن يَبدُوَ صَلاحُه، ثم أصابته عاهةٌ، كان مَا أصَابَه على ربِّه.

أخبرني سالمُ بن عبدِ الله، عن ابن عمرَ، أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تَتَبايَعُوا الثَّمَرَ حتى يبدوَ صلاحُها، ولا تبيعوا الثمرَ بالتَّمْر" (٣).


(١) جُدَّت: قُطِعت، والجداد جني التمر بقطع عذوقه.
(٢) الموطأ (١٨٠٩).
(٣) أخرجه البخاري معلقًا (٢١٩٩)، ووصله الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق ٣/ ٢٦١.
وحديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، أخرجه البخاري (٢١٨٣)، ومسلم (١٥٣٤) (٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>