للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بوَضْع الجوائح، قال الشافعيُّ (١): كان ابن عُيينةَ يُحدِّثُنا بحديثِ حُميدِ بن قيسٍ، عن سُليمانَ بن عَتيقٍ، عن جابرٍ، أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهَى عن بيعِ السِّنينَ، ولا يذكُرُ فيه وضعَ الجائحةِ. قال: ثم حدَّثنا بذلك غيرَ مرَّةٍ كذلك، ثم زادَ فيه وضعَ الجوائح، فذكَرنا له ذلك، فقال: هو في الحديثِ، واضطَربَ لنا فيه. قال الشافعيُّ: ولم يَثبُتْ عندي أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أمَر بوضعِ الجَوَائح، ولو ثَبَت لم أعْدُه. قال: ولو كنتُ قائلًا بوضعِ الجَوائح لوضَعتُها في القليلِ والكثيرِ. قال: والأصلُ المُجْتَمَعُ عليه أنّ كلَّ مَن ابتاع ما يجوزُ بيعُه وقَبضُه، كانت المصيبةُ منه، ولم يَثْبُتْ عندَنا وضعُ الجوائح فيُخرِجَه من تلك الجُمْلَةِ.

قال أبو عُمر: اختلفَ أصحابُ ابن عُيينةَ عنه في ذكرِ الجوائحِ في حديثِ سُليمان بن عَتيقٍ، عن جابرٍ؛ فبعضُهم ذكَر ذلك عنه فيه، وبعضُهم لم يذكُرْه، وممن ذكَره عنه في ذلك الحديثِ: أحمدُ بن حنبلٍ (٢)، ويحيى بن معينٍ، وعليُّ بن حَربٍ الطَّائيُّ، وغيرُهم (٣).

وقالت طائفةٌ من أهلِ العلم: في قولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيتَ إن مَنَع اللهُ الثمرةَ، فبِمَ يأخُذُ أحدُكم مالَ أخيه؟ " دليلٌ واضحٌ على أنّ الثمرةَ إذا مُنِعَت لم يَسْتَحِقَّ البائعُ ثَمنًا؛ لأن المبتاعَ قد مُنِع ممّا ابتاعَه. قالوا: وهذا هو المفهُومُ من هذا الخِطابِ. قالوا: وحُكمُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا في الثِّمارِ أصلٌ في نفسِه، مُخالفٌ لحُكْمِه في سائرِ السِّلَعِ يجِبُ التَّسْلِيمُ له. واحتجُّوا بحَديثِ أبي الزُّبيرِ عن جابرٍ في ذلك.


(١) الأم ٣/ ٥٦.
(٢) المسند ٢٢/ ٢٢١ (١٤٣٢٠).
(٣) ينظر: مسند الشافعي ٢/ ١٥٢، والحميدي (١٢٨٠)، ومسلم (١٥٥٤) (١٧)، والنسائي ٧/ ٢٦٥، وابن الجارود (٦٤٠)، والحاكم ٢/ ٤٠، والبيهقي ٥/ ٣٠٦، وحديث يحيى وعلي سوف يسوقهما المؤلف بعد قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>