قال أبو عُمر: أجاز مالكٌ، رحِمه اللهُ وأصحابُه بيعَ المَقَاثِي إذا بَدَا صَلاحُ أوَّلِها، وبيعَ البَاذِنْجانِ، واليَاسَمِينِ، والمَوْزِ، وما أشبَهَ ذلك، استِدلالًا بإجازَةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بيعَ الثِّمارِ حينَ يَبدُو صَلاحُها، ومعنَاه عندَ الجميع: أن يَطِيبَ أولُها، أو يبدُوَ صَلاحُ بعضِها، وإذا جاز ذلك عندَ الجميعِ في الثِّمارِ، كانت المقاثِي وما أشبَهَها ممّا يُخلَقُ شيئًا بعدَ شيءٍ، وَيخرُجُ بطنًا بعدَ بطنٍ كذلك، قِياسًا ونَظَرًا؛ لأنّه لما كان ما لم يَبدُ صلاحُه من الحائطِ ومن ثَمَرِ الشَّجرِ تَتَعًا لِمَا بَدَا صَلاحُه في البيعِ من ذلك، كان كذلك بَيعُ ما لم يُخلَقْ من المقاثِي وما أشبَهَها تَتَعًا لِمَا خُلِقَ وطاب، وقياسًا أيضًا على بيعِ مَنافعِ الدَّارِ وهي غيرُ مَخْلُوقَةٍ، ولأنّ الضرورةَ تُؤَدِّي إلى إجازَته. وقولُ المُزنيِّ في ذلك كقولِ مالكٍ وأصحابِه سواءً.
وأمّا العِرَاقِيُّونَ، والشافعيُّ وأصحابُه، وأحمدُ بن حنبلٍ، وداودُ بن عليٍّ، فإنَّهم لا يُجِيزُونَ بيعَ المقاثِي، ولا بيعَ شيءٍ مما يخرُجُ بطنًا بعدَ بطنٍ بوَجْهٍ من الوُجُوهِ، والبيعُ عندَ جميعِهم في ذلك مفسوخٌ إلّا أن يقعَ البيعُ فيما ظهَر وأحاطَ المبتاعُ برُؤْيَتِه، وطابَ بعضُه (١). وحُجَّتُهم في ذلك نهيُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعِ ما لم يُخلَقْ، ونهيُه عن بيع ما ليس عندَك، ولأنّها أعيانٌ مقصودةٌ بالشِّراءِ ليست مَرئيّةً ولا مُستقرَّةً في ذمَّةٍ، فأشْبَهَتْ بيعَ السِّنِينَ المَنْهِيَّ عنه، وبالله التوفيقُ.
(١) ينظر: الأم للشافعي ٣/ ٨٣، والإشراف لابن المنذر ٦/ ٢١، إلا أن الحنابلة مختلفون في ذلك، ينظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي ٥/ ٦٨.