وكان ابن القاسم أيضًا يَرَى السَّرَقَ جائِحَةً، وخالَفَه أصحابُه والناسُ.
وقال ابنُ عبدِ الحَكَمِ، عن مالكٍ: من اشتَرَى حوائطَ في صَفَقاتٍ مُختلفةٍ، فأُصيب منها ثُلُثُ حائطٍ، فإنها تُوضَعُ عنه، ولو اشتَرَاها في صَفَقَةٍ واحدةٍ، فلا وضِعيةَ له إلّا أن يكونَ ما أصابَتِ الجائحِةُ ثُلُثَ ثَمَرِ جميعِ الحوائطِ.
وقال مالكٌ في البُقولِ كلِّها، والبَصَلِ، والجَرَزِ، والكُرَّاثِ، والفُجْل، وما أشْبَهَ ذلك: إذا اشتَرَاه رجلٌ فأصابَته جائحَةٌ، فإنّه يُوضَعُ عن المشتَرِي كلّ شيءٍ أصابَتْه به الجائحَةُ، قلَّ أو كَثُرَ. قال: وكلُّ ما يَبِس فصار تَمرًا أو زَبِيبًا وأمكَنَ قِطَافُه، فلا جائِحَةَ فيه. قال: والجَرَادُ، والنَّارُ، والبَرْدُ، والمَطَرُ، والطَّيرُ الغالِبُ، والعَفَنُ، وماءُ السماءِ المُترَادِفُ المفسِدُ، والسَّمُومُ، وانقطاعُ ماءِ العُيُونِ، كلُّها من الجَوَائِح، إلّا الماءَ فيما يُسقَى، فإنّه يُوضعُ قليلُ ذلك وكثيرُه؛ لأنّ الماءَ من سببِ ما يُباعُ، ولا جائِحَةَ في الثَّمَرِ إذا يَبِسَ.
قال ابنُ عبدِ الحَكَمِ، عن مالكٍ: لا جائِحَةَ في ثَمَرٍ عندَ جَدَادِه، ولا في زَرْعٍ عندَ حَصادِه. قال: ومن اشتَرَى زَرعًا قد استُحصِدَ، فتَلِف، فالمصيبَةُ من المشتَرِي وإن كان لم يَحصُدْه.
حدَّثني أحمدُ بن سعيدِ بن بِشْرٍ (١)، قال: حدَّثنا محمدُ بن عبدِ الله بن أبي دُلَيمٍ، قال: حدَّثنا ابنُ وضَّاح، قال: سمِعتُ سُحنُونَ قال في الذي يشتَري الكَرمَ وقد طاب، فيُؤَخِّرُ قِطافَه إلى آخِرِ السَّنَةِ ليكونَ أكثرَ لثَمَنِه، فتُصيبُه جائحَةٌ: إنّه لا جائحَةَ فيه، ولا يُوضعُ عن المشتَرِي فيه شيءٌ، قال: وكذلك الثَّمَرُ إذا طاب كلُّه، وترَكَه للغَلاءِ في ثَمَنِه. قال: وليس التِّينُ كذلك؛ لأنّه يَطِيبُ شيئًا بعدَ شيءٍ، وما طاب شيئًا بعدَ شيءٍ وُضِع عنه.
(١) في ف ١: "بشير"، محرف، وهو أحمد بن سعيد بن بشر، أبو العباس بن الحصار القرطبي (تاريخ الإسلام ٨/ ٧١٠).