للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعني: رَبَّ الحائطِ، وكان يتأوَّلُ في حديثِ أبي الزبيرِ، عن جابرٍ، أنّه محمولٌ على بيعِ ما لم يُقْبَضْ، وما لم يُقبَضْ فمُصيبَتُه عندَهم من بائعِه. وكان بعضُهم يتأوَّلُ ذلك في وضعِ الخَراج، خَراجِ الأرضِ، يُريدُ كِراءَها، عمّن أصاب ثمرَه أو زَرْعَه آفَةٌ. وقال بعضُهم: معناه معنى حديثِ أنسٍ سواءً، إلّا أنّ أنسًا ساقَه على وجهِه، وفَهِمَه بتَمامِه. وهذه التَّأويلاتُ كلُّها خلافُ الظاهِرِ، والظاهرُ يُوجِبُ وضعَ الجوائحِ إن ثَبَت حديثُ سُليمانَ بن عَتِيقٍ، وأمّا الأُصُولُ فتشهدُ لتأويلِ الشافعيِّ، وبالله التوفيقُ.

وأمّا جملةُ قولِ مالكٍ وأصحابِه في الجوائح (١)، فذكَرَ ابنُ القاسمِ وغيرُه عن مالكٍ فيمَن ابتاع ثمرةً فأصابتْها جائحَةٌ، أنّها من ضَمانِ البائعِ إذا كانت الثُّلُثَ فصاعدًا، وإذا كانت أقلَّ من الثُّلُثِ لم تُوضَعْ عن المشترِي، وكانت المصيبةُ منه في النَّخلِ والعِنَبِ ونحوِهما.

قال: وأما الوردُ، والياسَمِينُ، والرُّمَّانُ، والتُّفَّاحُ، والخَوْخُ، والأُتْرُجُّ، والموزُ، وكلُّ ما يُجنَى بطنًا بعدَ بطنٍ من المقاثي وما أشبَهها، إذا أصابَت شيئًا من ذلك الجائحَةُ، فإنّه يُنظَرُ إلى المَقثأةِ كم نَباتُها من أولِ ما يَشتَرِي إلى آخرِ ما تَنقَطِعُ ثمرتُها في المُتعارفِ، وينظرُ إلى قِيمتِها في كلِّ زمانٍ على قَدْرِ نَفَاقِه في الأسواق، ثم يمتَثلُ فيه أن يُقسَمَ الثَّمَنُ على ذلك.

واختلَفَ أصحابُ مالكٍ في الحائطِ يكونُ فيه أنواعٌ من الثِّمارِ فيُجَاحُ منها نوع واحد، فكان أشهَبُ وأصبَغُ يقولان: لا يُنظرُ فيه إلى الثمرةِ، ولكن إلى القِيمَةِ، فإن كانتِ القيمةُ الثُّلُثَ فصاعدًا وُضِع عنه.

قال ابن القاسِم: بل يُنظَرُ إلى الثمرةِ، على ما قدَّمنا عنهم.


(١) ينظر: كتاب الجوائح من المدونة ٣/ ٥٨١ فما بعد، والبيان والتحصيل ١٢/ ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>