للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فوقَ ذلك فهي جائحَةٌ. قال: وما رأيتُهم يجعَلون الجائحةَ إلّا في الثمارِ. قال: وذلك أنّي ذكَرْتُ لهم البَزَّ (١) يَحْتَرِقُ، والرَّقِيقَ يموتون، قال معمرٌ: وأخبَرني مَن سمِع الزهريَّ، قال: قلتُ له: ما الجائحةُ؟ قال: النذِّصفُ.

وروَى حُسينُ بن عبدِ الله بن ضُميرَةَ، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليٍّ، قال: والجائحةُ (٢) الثلُثُ فصاعدًا يُطَّرَحُ عن صاحبِها، وما كان دُونَ ذلك فهو عليه، قال: والجائحَةُ الرِّيحُ، والمطرُ، والجَرَادُ، والحَرِيقُ (٣).

والمراعاةُ عندَ مالكٍ وأصحابِه ثُلُثُ الثمرةِ لا ثُلُثُ الثمنِ، ولو كان ما بَقِي من الثَّمَرَةِ وفاءً لرأسِ مالِه وأضعافَ ذلك، وإذا كانت الجائحَةُ أقلَّ من ثُلُثِ الثمرةِ، فمُصِيبتُها عندَهم من المشتَري ولو لم يكنْ في ثَمَنِ ما بَقِيَ إلّا درهمٌ واحدٌ.

وأمّا أحمدُ بن حنبلٍ وسائرُ من قال بوَضْعِ الجوائحِ من العلماءِ (٤)، فإنّهم وضَعوها عن المبتاعِ في القليلِ والكثيرِ، وقالوا: المصِيبةُ في كلِّ ما أصابتِ الجائحَةُ من الثِّمارِ على البائعِ، قليلًا كان ذلك أو كثيرًا. ولا معنَى عندَهم لتحديدِ الثلُثِ؛ لأنّ الخبرَ الواردَ بذلك ليس فيه ما يدلُّ على خُصوصِ شيءٍ دون شيءٍ، وهو حديثُ جابرٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، من روايةِ أبي الزبيرِ وروايةِ سُلَيمانَ بن عَتيقٍ، وقد ذكَرنَاهما.

قال أبو عُمر: كان بعضُ من لم يرَ وضعَ الجوائحِ يتَأوَّلُ حديثَ سُليمانَ بن عَتِيقٍ عن جابرٍ أنّه على النَّدْبِ، ويقولُ: هو كحَديثِ عَمْرةَ في الذي تبيَّن له النُّقصانُ فيما ابتَاعَه من ثمرِ الحائطِ حينَ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَألَّى ألّا يفعَلَ خيرًا" (٥)،


(١) وقع في بعض النسخ: "البر" وليس بشيء.
(٢) من هنا إلى قوله: "والجائحة" سقط كله من الأصل، وهو ثابت في النسخ الأخرى ومصنف عبد الرزاق، فكأنه قفز نظر.
(٣) أخرجه عبد الرزاق (١٥١٥٥) عن الأسلمي، عن حُسين، به.
(٤) ينظر: المغني لابن قدامة ٤/ ٨٠.
(٥) الموطأ (١٨١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>