نواضِحَه ويُطعِمَه رَقيقَه. وكذلك روَى رِفاعَةُ بنُ رافع (١)، قال: نَهانا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن كَسبِ الحَجّام، وأمَرَنا أن نُطْعِمَه نواضِحَنا. فهذا يدُلُّ على أنَّه نَزَّهَهم عن أكلِه، ولو كان حرامًا لم يَأمُرْهم أن يُطعِموه رَقيقَهم، لأنَّهم مُتعبَّدُونَ فيهم كما تُعُبِّدُوا في أنفسِهم. هذا قولُ الشّافعيِّ وأتباعِه.
وأظُنُّ الكراهةَ منهم في ذلك من أجل أنَّه ليس يَخرُجُ مَخْرَجَ الإجارَة، لأنَّه غيرُ مُقدَّرٍ ولا معلوم؛ وإنَّما هو عمل يُعطَى عليه عامِلُه ما تَطِيبُ به نَفسُ المعمولِ له، وربَّما لم تَطِبْ نفسُ العامل بذلك، فكأنَّه شيءٌ قد نُسِخَ، يُشْبهُ الإجارَةَ والبُيوعَ والجُعْلَ المُقدَّرَ المعلوم. وهكذا دخولُ الحَمّام عندَ بعضهم. وقد بلَغَني أنَّ طائفةً من الشَّافعيِّينَ كَرِهُوا دخولَ الحَمّام إلا بشيءٍ معروفٍ وإناءٍ معلوم، وشيءٍ محدودٍ يُوقَفُ عليه؛ من تناوُلِ الماءِ وغيره. وهذا شديدٌّ جدًّا، وفي تواترِ العمل بالأمصار في دخول الحَمّام وأجرةِ الحَجّام، ما يَرُدُّ قولهم، وحديثُ أنسٍ هذا شاهِدٌ على تجويزِ أُجرةِ الحَجّام بغير سَوْمٍ ولا شيءٍ معلوم قبلَ العمل؛ لأنّه لم يُذكَرْ ذلك فيه، ولو ذُكِرَ لنُقِلَ، وحسبُك بهذا حُجّة. وإذا صَحَّ هذا كان أصلًا في نفسِه وفيما كان مثلَه، ولم يَجُزْ لأحدٍ رَدُّه، واللهُ أعلم.
(١) هكذا في النسخ، وكأنه مقلوب، فهذا الحديث معروف من رواية: رافع بن رفاعة، هكذا أخرجه أحمد ٢١/ ٣٣٦ (١٨٩٩٨)، وأبو داود (٣٤٢٦)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (٤٦٥٧)، والحاكم ٢/ ٤٢، والبغوي في معجم الصحابة (٧٢٩)، وغيرهم. وقال المؤلف في الاستيعاب ٢/ ٤٨٠: "رافع بن رفاعة بن رافع الزرقي، لا تصح صحبته، والحديث المروي عنه في كسب الحجام في إسناده غلط". وتعقبه ابن حجر، فقال في الإصابة: "لم أره في الحديث منسوبًا فلم يتعين كونه رافع بن رفاعة بن مالك، فإنه لا صحبة له، بل يحتمل أن يكون غيره، وأما كون الإسناد غلطًا فلم يوضحه" (١/ ٤٩٦). قلنا: قد بين الإمام المزي وجه الغلط في هذا الإسناد، فقال في تهذيب الكمال: "ورافع هذا غير معروف، والمحفوظ في هذا الحديث، هُرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج" وهو عند أبي داود (٤٣٢٧) (تهذيب الكمال ٩/ ٢٦ وتعليقنا عليه).