للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو حنيفة، والشافعيُّ: الدَّمُ والإطعامُ لا يُجْزِئُ إلّا بمكّة، والصومُ حيثُ شاء، وهو قولُ طاوُس (١).

قال الشافعيُّ: الصومُ مُخالفٌ للإطعام والذبح؛ لأن الصومَ لا منفعةَ فيه لأهل الحَرَم، وقد قال الله: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥]. رِفْقًا بمساكينِ الحَرَم، جيرانِ بَيته، والله أعلم.

وقد قال عطاء (٢): ما كان من دم فبمكة، وما كان من إطعام أو صيام فحيثُ شاء.

وعن أبي حنيفةَ وأصحابه أيضًا مثلُ قولِ عطاء (٣)، وعن الحَسَن أن الدَّمَ بمكة (٤).

ذكَر إسماعيلُ القاضي حديثَ عليٍّ حينَ حلَق رأسَ حسينٍ ابنِه بالسُّقْيا، ونسَك عنه في موضعِه، من حديثِ مالكٍ وغيره، عن يحيى بنِ سعيد، ثم قال: هذا أبيَنُ ما جاء في هذا الباب وأصحُّه، وفيه جوازُ الذبح في فديةِ الأذَى بغير مكة.

قال أبو عُمر: الحُجَّةُ في ذلك قولُ الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، ثم قال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦]. ولم يقل: في موضع دونَ موضع؛ فالظاهرُ أنّه حيث ما فعلَ أجزأ. وقد سَمَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ما يُذبحُ في فِدْية الأذَى نُسُكًا ولم يُسمِّه هَدْيًا، فلا يلزمنا أن نردَّهُ قياسًا على الهَدْي ولا أن نعتبرَهُ بالهدي مع ما جاءَ في ذلك عن عليٍّ رضي الله عنه ومع استعمال ظاهر الحديث في ذلك، والله أعلم (٥).


(١) قول طاووس في تفسير الطبري ٣/ ٤٠١، والمحلى لابن حزم ٥/ ٢٣٤.
(٢) قول عطاء في مصنف ابن أبي شيبة (١٣٤٥٦)، والمحلى لابن حزم ٥/ ٢٣٤.
(٣) هو في الأصل قول إبراهيم النخعي (المحلى ٥/ ٢٣٤).
(٤) المحلى ٥/ ٢٣٤.
(٥) قال ابن حزم: "لا يجوز أن يَخُصَّ بالنسك مكانًا دون مكان إلا بقرآن أو سنة ثابتة" (المحلى ٥/ ٢٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>