للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال داود، وإسحاق: لا فديةَ عليه في شيءٍ من ذلك إن صنَعه ناسيًا.

وأكثرُ العلماءِ يُوجِبون الفديةَ على المحرِم إذا حلَق شعرَ جسدِه، أو اطَّلَى، أو حلَقَ موضعَ المحاجم، وبعضُهم يجعلُ عليه في كلِّ شيء من ذلك دمًا، وقال داود: لا شيءَ عليه في حَلْقِ شعرِ جسدِه (١).

واختلَفوا في موضِع الفِدْيَة المذكورة، فقال مالكٌ: يفعَلُ ذلك أين شاء، إن شاء بمكةَ وإن شاء ببلدِه. وذَبْحُ النسُكِ والإطعامُ والصيامُ عندَه سواءٌ، يَفعلُ ما شاء من ذلك أين شاء، وهو قولُ مُجاهد (٢)، والذبحُ هاهنا عندَ مالكٍ نُسُكٌ وليس بهَدْي، قال: والنسُكُ يكونُ حيثُ شاء، والهَدْيُ لا يكونُ إلّا بمكة.

وحُجَّتُه في أن النسُكَ يكونُ بغير مكةَ حديثُه عن يحيى بنِ سعيد، عن يعقوبَ بنِ خالدٍ المخزوميِّ، عن أبي أسماءَ مولى عبدِ الله بنِ جعفر، أنَّه أخبره، أنَّه كان مع عبدِ الله بنِ جعفرٍ وخرَج معه من المدينة، فمرُّوا على حُسينِ بنِ عليٍّ وهو مريضٌ بالسُّقْيا، فأقام عليه عبدُ الله بنُ جعفرٍ حتى إذا خاف الفوتَ خرَج وبعَث إلى عليِّ بنِ أبي طالب وأسماءَ بنتِ عُمَيْسٍ وهما بالمدينة، فقَدِما عليه، ثم إن حُسَيْنًا أشار إلى رأسِه، فأمَر عليُّ بنُ أبي طالب برأسِه فحُلِق، ثم نسَك عنه بالسُّقْيا، فنَحَر عنه بعيرًا. قال مالكٌ: قال يحيى بنُ سعيد: وكان حُسينٌ خرَج مع عثمانَ في سفرِه إلى مكة (٣).

فهذا واضحٌ في أن الدَّمَ في فديةِ الأذَى جائزٌ بغير مكة، وجائزٌ عندَ مالكٍ في الهدْيِ إذا نُحِر في الحَرَم أن يُعْطاه غيرُ أهل الحَرَم؛ لأن البُغيَةَ فيه إطعامُ مساكينِ المسلمين، قال: ولما جاز الصومُ أنْ يُؤتَى به في غير الحَرَم، جاز إطعامُ غير أهل الحَرَم.


(١) ينظر تفاصيل ذلك في المحلى لابن حزم ٥/ ٢٣١ - ٢٣٢.
(٢) قول مجاهد في تفسير الطبري ٣/ ٣٩٦.
(٣) الموطأ ١/ ٥٢٠ (١١٥٠)، وسيأتي الكلام عليه مفصلًا في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>