للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أحمد: قال ابنُ شهاب: سألتُ عنها علماءَنا كلَّهم حتى سعيدَ بنَ المسيّب، فلم يُثبِتُوا كم عدَدُ المساكين؟

وأجمَعوا أن الفِديةَ واجبةٌ على مَن حلَق رأسَه من عُذْرٍ وضرورة، وأنّه مُخَيَّرٌ فيما نَصَّ اللهُ ورسولُه عليه مما ذكَرنا على حسَبِ ما تقدَّم ذكرُه.

واختلَفوا فيمَن حلَق رأسَه من غير ضرورةٍ عامدًا، أو تَطيَّب لغير ضرورةٍ عامدًا، أو لبِس لغير ضرورةٍ عامدًا؛ فقال مالكٌ: بئْسَما فعَل، وعليه الفديةُ، وهو مُخَيَّرٌ فيها؛ إن شاء صامَ ثلاثةَ أيام، وإن شاءَ ذبَح شاةً، وإن شاءَ أطْعَم ستَّةَ مساكين؛ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ من قوتِه، أيَّ ذلك شاء فعَل. وسواءٌ عندَه العمدُ في ذلك والخطأُ، لضرورةٍ وغيرِ ضرورة، وهو مُخَيَّرٌ في ذلك عندَه (١).

وقال الشافعيُّ، وأبو حنيفة، وأصحابُهما، وأبو ثور: ليس بمُخَيَّرٍ إلّا في الضرورة؛ لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: ١٩٦]، فأمّا إذا حلَق عامدًا، أو لبِس عامدًا (٢)، أو تطيَّبَ عامدًا لغير عُذْر، فليس بمُخَيَّر، وعليه دَمٌ لا غير (٣).

واختلَفوا فيمَن حلَق أو لَبِس أو تطَيَّب ناسيًا، فقال مالكٌ رحمه الله: العامدُ والناسي في ذلك سواءٌ في وجوب الفدية. وهو قولُ أبي حنيفة، والثوريِّ، والليث.

وللشافعيِّ في هذه المسألةِ قولان؛ أحدُهما، لا فديةَ عليه. والآخَرُ، عليه الفديةُ.


(١) المدونة ١/ ٤١٣، وبداية المجتهد ٢/ ١٢٩ - ١٣٠.
(٢) قوله: "أو لبس عامدًا" لم يرد في الأصل، وهو ثابت في النسخ.
(٣) ينظر المغني لابن قدامة ٣/ ٢٥٨، وقال: "لا فرق في ذلك بين المعذور وغيره والعامد والمخطئ، وهو مذهب مالك والشافعي، وعن أحمد أنه إذا حلق لغير عذر فعليه الدم من غير تخيير، وهو مذهب أبي حنيفة، لأن الله تعالى خيّر بشرط العذر، فإذا عدم الشرط وجب زوال التخيير. ولنا أن الحكم ثبت في غير المعذور بطريق التنبيه تبعًا له، والتبع لا يخالف أصله، ولأن كل كفّارة ثبت التخيير فيها".

<<  <  ج: ص:  >  >>