للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أحمدُ بنُ حنبل مرَّةً كما قال مالكٌ والشافعيُّ، ومرةً قال: إن أطعَم بُرًّا فمُدٌّ لكُلِّ مسكين، وإن أطعَم تمرًا فنصفُ صاع (١).

قال أبو عُمر: لم يختلفِ الفقهاءُ أن الإطعام إنَّما هو لستَّةِ مساكين، إلّا ما ذكَرنا عن الحَسَن، وعِكْرِمة، ونافع (٢)، وهو قولٌ لا يُعَّرُج عليه؛ لأنَّ السنّةَ الثابتةَ تدفَعُه. وقال مالكٌ رحمه الله: لا يُجزِئُه أن يُغَدِّيَ المساكينَ ويُعَشِّيَهم في كفار الأذَى حتى يُعطيَ كلَّ مسكينٍ مُدَّينِ مُدَّيْنِ بمُدِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وبذلك قال الثوريُّ، والشافعيُّ، ومحمدُ بنُ الحَسَن. وقال أبو يوسف: يُجْزِئُه أنْ يُغَدِّيَهم ويُعَشِّيَهم.

قال أبو عُمر: قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦]، قال ابنُ عبّاس (٣): المرضُ: أن يكونَ برأسِه قُروحٌ، والأذَى: القَمْلُ. وقال عطاء (٤): المرضُ: الصداعُ والقَمْلُ وغيرُه. وحديثُ كعبِ بنِ عُجْرةَ أوضحُ شيءٍ في هذا وأصَحُّه، وأوْلى ما عُوِّلَ عليه في هذا الباب، وهو الأصل.

حدَّثنا خلفُ بنُ القاسم، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ أحمدَ بنِ كامل، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ محمدِ بنِ الحجّاج بنِ رِشْدِين، قال: سمعتُ أحمدَ بنَ صالح - يعني المصريَّ - يقول: حديثُ كَعْبِ بنِ عُجْرةَ في الفِدْية سُنَّةٌ معمولٌ بها، لم يَرْوِها أحدٌ من الصحابةِ غيرُه، ولا رواها عن كعبِ بنِ عُجْرةَ إلّا رجلان؛ عبدُ الرحمنِ بنُ أبي ليلى، وعبدُ الله بنُ مَعْقِل، وهذه سنَّةٌ أخذَها أهلُ المدينةِ وغيرُهم عن أهل الكوفة.


(١) ينظر مختصر اختلاف الفقهاء للطحاوي ٢/ ١٩٥ - ١٩٦، والمحلى لابن حزم ٥/ ٢٣٢ فما بعد.
(٢) رأي الحسن وعكرمة ونافع في المحلى لابن حزم ٥/ ٢٣٢، وبداية المجتهد ٢/ ١٣٠، والمغني لابن قدامة ٣/ ٢٥٩.
(٣) تفسير ابن أبي حاتم الرازي (١٧٧٨).
(٤) نفسه (١٧٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>