وممن قال بهذا من العلماء؛ عطاءُ بنُ أبي رباح، وسالمُ بنُ عبدِ الله على اختلافٍ عنه، ومالكُ بنُ أنس وأصحابُه، ومحمدُ بنُ الحَسَن، رواه ابنُ سَماعَةَ عنه. وهو اختيارُ أبي جعفرٍ الطَّحاويّ.
ومن حُجَّةِ مَن قال بهذا القول من طريقِ النَّظَر، أنَّ الإحرامَ يَمنَعُ من لُبْسِ القُمُصِ والسَّراوِيلاتِ والخِفافِ والعَمائم، ويَمنَعُ من الطِّيب، ومن قَتْلِ الصيدِ وإمساكِه، فلمّا أجْمَعوا أنَّ الرجلَ إذا لَبِس قميصًا أو سَراوِيلَ قبلَ أن يُحْرِمَ، ثم أحْرَم وهو عليه، أنه يُؤْمَرُ بنَزْعِه، وإن لم يَنْزِعْه وتَرَكه كان كمَن لَبِسَه بعدَ إحْرامِه لُبْسًا مُستَقْبَلًا، ويجبُ عليه في ذلك ما يجبُ عليه لو اسْتَأنفَ لُبْسَه بعدَ إحْرامِه. وكذلك لو اصْطادَ صَيْدًا في الحِلِّ وهو حَلالى، فأمْسَكه في يَدِه، ثم أحْرَم وهو في يَدِه، أُمِرَ بتَخْلِيَته، وإن لم يُخَلِّه كان إمْساكُه له بعدَ أن أحْرَمَ كابتدائِه الصَّيْدَ وإمْساكِه في إحْرامِه. قالوا: فلمّا كان ما ذكَرْنا، وكان الطِّيبُ مُحَرَّمًا على المحرم بعدَ إحْرامِه كحُرْمَةِ هذه الأشياء، كان ثُبوتُ الطِّيبِ عليه بعدَ إحْرامِه، وإن كان قد تَطَيَّبَ به قبلَ إحْرامِه، كتَطيُّبِه بعدَ إحْرامِه. لا يجوزُ في القياسِ والنَّظَرِ عندَهم غيرُ هذا.
واعْتَلُّوا في دَفْع ظاهرِ حَديثِ عائشةَ بما رواه إبراهيمُ بنُ محمدِ بنِ المنتَشِر، عن أبيه، قال: سألتُ ابنَ عمرَ عن الطِّيبِ عندَ الإحرام، فقال: لأن أُطْلَى بالقَطِرانِ أحَبُّ إليَّ من أن أُصْبحَ مُحْرِمًا تَنْضَخُ منِّي رِيحُ الطِّيب. قال: فدَخَلْتُ على عائشةَ فأخْبَرتُها بقول ابنِ عمر، فقالت: طَيَّبْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فطاف على نسائِه، ثم أصْبَح مُحْرِمًا (١). قالوا: فقد بان بهذا في حديثِ عائشةَ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -
(١) حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين: البخاري (٢٧٠) و (١٧٥٤) و (٥٩٣٠)، ومسلم (١١٨٩).